لبيب السباعى جمعنا العمر وفرقنا الرحيل

لبيب السباعى.. جمعنا العمر وفرقنا الرحيل

لبيب السباعى.. جمعنا العمر وفرقنا الرحيل

 العرب اليوم -

لبيب السباعى جمعنا العمر وفرقنا الرحيل

بقلم : فاروق جويدة

لا أدرى كيف تجمع الأقدار البشر فيشتركون فى الأحداث والمسار والأماكن ، كان قدرنا أن نهبط إلى الحياة فى زمن واحد ، وندخل الجامعة معا، ونعمل فى الأهرام فى التوقيت نفسه، ويجمعنا المكان والزمن ، ولم نفترق، إلا أنه اختار أن يرحل قبلى .. أتحدث عن زميل عمرى لبيب السباعي..

ـــــ فقد جمعتنا الأقدار فى أدق تفاصيل حياتنا، فى الجامعة بقسم الصحافة بكلية آداب القاهرة، ودخلنا الأهرام معا، وحين زار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر مبنى الأهرام الجديد قدّمنا الأستاذ هيكل وقال له وهو يصافحنا: «شباب الأهرام لبيب السباعى وفاروق جويدة أصغر المحررين فى الجريدة».. كانت هذه بداية الرحلة، لم نفترق، كان لبيب السباعى محرر التعليم، وأنا وإن تنقلت فى أكثر من مكان.. اجتمعنا وسط نخبة من طلاب قسم الصحافة، تعلمنا ودرسنا وتحاورنا واختلفنا مع أساتذة عظام؛ محمد مندور، وعبداللطيف حمزة، وإبراهيم إمام، وخليل صابات، ومختار التهامي، وسامى عزيز.

كان من زملاء الدفعة صديقنا الراحل د. عبدالعزيز شرف، وسلمى الشماع، وصابر عبد الوهاب، والفنان الراحل محمد قابيل، وعبلة الساعاتي، وسلوى العناني، وكان من الزملاء أيضا ماجى الحلوانى ومنى الحديدى وسامى السلامونى وأنيس أبو العلا، وهم من أبرز أبناء قسم الصحافة..

ـــــ كان لبيب أكثرنا حبا للحياة، وكان والده شاعرا ومديرا لوكالة أنباء الشرق الأوسط، وكان لبيب يجادل الأساتذة كثيرا وأحيانا يبدو مشاغبا، وكنت أحب شقاوته ومحاوراته، وكان الأساتذة يستوعبون ذلك كله.. أصبحنا من شباب الأهرام، تخصص لبيب فى تغطية وزارات التعليم، ودخلت مجال الاقتصاد، وبقينا زملاء دراسة وعمل.. اقتربنا معا من الأستاذ هيكل، وكان يشجعنا ويتابع نشاط كل منا، ولم تكن هناك حساسيات بينى وبين لبيب، لأن لكل منا مساحته واختصاصه، ولم يميز الأستاذ هيكل أحدنا عن الآخر.. وذات يوم كان قرار الرئيس السادات إبعاد الأستاذ هيكل عن الأهرام، يومها جلسنا أنا ولبيب نرسم أيامنا المقبلة فى ظل غياب الأستاذ، وكان هو مصدر الحماية لنا، وكلانا فى أول الطريق.. خرج الأستاذ هيكل من الأهرام وبعد فترة سافر للخارج، وعند عودته استقبلته مظاهرة من أبناء الأهرام فى مطار القاهرة، فغضب الرئيس السادات غضبًا شديدًا من هذا الموقف..

ـــــ حملتنا عواصف كثيرة ما بين تقلبات المناصب، وكان كل واحد منا يعرف حدود مسئولياته وأنه يتعامل مع مسئولين جدد، وإن كنا قد حملنا عبء أننا من جماعة هيكل، وكان كل مسئول يتعامل معنا بشيء من الحذر، وتجاوزنا ذلك كله بالإجادة والإصرار على التفوق. كان من حظى أننى تعرضت لعواصف أكثر، لأن لبيب استقرت أحواله فى التعليم، بينما تنقلت ما بين الاقتصاد والديسك المركزي، ثم أشرفت على إنشاء صفحة ثقافية يومية، ودخلت فى دوامات صراع مبكرة، بينما كان مسار لبيب أكثر هدوءا مني.. فى هذه الظروف كنا نشاهد بعضنا، وأين يقف كل منا، وإن بقى بيننا ود جميل وذكريات عمر لم تفرقنا..

ـــــ كان لبيب إنسانا مهذبا، مجتهدا، مخلصا فى عمله وعلاقاته، وبقى محتفظا بعلاقة عميقة وصادقة مع الأستاذ هيكل، وبدأ يمد جسورا مع رموز الدولة خارج نطاق التعليم، وأتاح له ذلك فرصا لأن يتصدر المشهد فى علاقاته مع سلطة القرار.. كنا على تواصل فى كل الظروف، وكنا نساند بعضنا فى مواقف كثيرة، وكنت أشعر دائما بأن بيننا جسور مودة ومحبة لم تغيرها الأيام.. فى فترات عصيبة كنت أجد لبيب بجانبى ولم يتخلَّ عن وقفاته طوال مشوارنا فى الأهرام.. كبرنا معا، فنحن أبناء عام واحد، وتخرجنا معا، وعملنا فى مكان واحد، وشق كل منا طريقه على طريقته، وكنت أرى لبيب من بعيد وهو يحقق نجاحاته، وأشعر بالسعادة لأنه شقيق لم تلده أمي..

ـــــ لم نفترق أنا ولبيب، نحن فى المكان نفسه والمهنة نفسها والمناصب نفسها، كنت مديرا للتحرير ومشرفا على صفحات الأهرام الثقافية، وكان لبيب مديرا للتحرير ومشرفا على قطاع الأخبار، وكثيرا ما كنا نجتمع وننسق الأنشطة معا.. وكنت أقول له: من يصدق أننا ندير أكبر مؤسسة صحفية فى مصر، وكانت بدايتنا معا.. مرت مياه كثيرة، وعشت محنة صحية قاسية بسبب مقال عن توريث القضاء، وقال المغرضون إننى قصدت توريث الحكم وليس القضاء..

ـــــ عبرت مياه كثيرة فى النهر الخالد، وقامت ثورة يناير، وتبدلت مواقع كثيرة بين رؤساء الصحف، وتغيرت وجوه وهبطت وجوه أخرى.. واتصل بى الدكتور يحيى الجمل وكان وزيرا فى حكومة الدكتور عصام شرف، وذهبت إليه فى مكتبه، ووجدت أمامه قرارا بتعيينى رئيسا لمجلس إدارة الأهرام ورئيسا للتحرير.. قرأت القرار وقلت: دكتور يحيى أنت صديقى وهذا القرار تأخر عشرين عاما وكان يومها يسعدني، ولهذا أعتذر.. قال: وما هو الحل؟ قلت: لبيب السباعى جدير بهذا المنصب وهو أحق به الآن، وأصبح لبيب السباعى رئيسا للأهرام..

نجح لبيب السباعى فى قيادة سفينة الأهرام وكنت حريصا على أن أقف بجانبه فى هذه المهمة، وزارنا الأستاذ هيكل وأجرى حوارا ممتعا مع رموز المؤسسة، ثم كان هناك لقاء عميق مع عالم مصر أحمد زويل وشهدت الأهرام صحوة ثقافية وفكرية أكدت دور المؤسسة العريقة..

ـ سافرت فى رحلة علاج إلى باريس، وفوجئت بخبر رحيل صديقى أنيس منصور، وكان خسارة كبيرة للأهرام والثقافة المصرية كنت فى مكتبى فى الأهرام، وطلبنى الأستاذ هيكل وسألني: أنت فين؟ قلت: فى الأهرام. قال: تعال.. نزلت من الأهرام ودخلت مكتب الأستاذ هيكل، فوجئت بلبيب السباعى وعبد الفتاح الجبالى وعبد العظيم حماد -وهم من أفضل من تولى المسئولية فى الأهرام بعد ثورة ينايرـ- صافحنى هيكل وجلست، وبادرني: كيف ترفض أن تكتب عمود الصفحة الأخيرة فى الأهرام؟ قلت: أنا كتبت العمود اليومى 15 عاما وهذا يكفي، كما أن أنيس كان صديقى ولا أتصور أن أكتب مكانه. قال الأستاذ هيكل: إنها الأهرام، ولا أتصور أن تعتذر. ووجّه كلامه إلى لبيب وعبدالفتاح: فاروق سوف يكتب العمود غدا. وسأل: كم الراتب؟ قالوا: ما تراه.. قال ووجه كلامه لي: سوف تكتب غدا بنفس عنوان مقالك «هوامش حرة»، وكانت بداية.. مشوار جديد ورحلة من رحلات العمر مع لبيب السباعي.. كنت سعيدا بقرار الأستاذ هيكل، وتذكرت يوم وقّع قرار تعيينى فى الأهرام، والآن يوقّع قرار كتابة «هوامش حرة»، وما بين القرارين عبرت سنوات العمر..

ـــــ كنت أزور الأستاذ هيكل، وكان حزينًا وهو يخبرنى بأن لبيب السباعى يمر بأزمة صحية خطيرة لم تستغرق سوى أيام قليلة، وبعد لقاء هيكل جاء خبر رحيل لبيب فى صدمة قاسية..

مرت أيام قليلة وكنت أقف بجوار الأستاذ هيكل فى مسجد السيدة زينب.. بكينا معا وكان الجثمان يعبر أمامنا، وكنت أرى سنوات العمر تطوف فى ساحة الذكريات حزينة باكية، وأنا أردد: جمعتنا رحلة العمر وسبقنى بالرحيل، تغمده الله بواسع رحمته..

رحل لبيب وسبقنى بعد مشوار عمر عشناه معًا أحلامًا وواقعًا وحياة، وبقى جزء عزيز من سنوات عمرى زميلًا وصديقًا بل رفيق مشوار ورحلة أحلام وصداقة عمر جميل.. وفارسًا فى بلاط صاحبة الجلالة..

 

                                      ◙   ◙   ◙

..ويبقى الشعر

 

يا للمدينة حين يبدو سحرهـــــا

وتتيه فى أيامها النضــــــراتِ

ومواكبُ الصلواتِ .. بين ربوعها

تهتز أركانُ الضلال ِالعاتــــــى

فى ساحةِ الشهداء لحنٌ دائــــــم

صوتُ الخيول ِ يصولُ فى الساحاتِ

والأفقُ وحىٌ .. والسماءُ بشائـــرٌ

والروضة ُ الفيحاءُ تاجُ صلاتِـــى

ويطوفُ وجهُ محمدٍ فى أرضهـــا

الماءُ طهرى .. والحجَيـج سُقـَاتـــى

ماذا أقولُ أمام نوركَ سيـــدى

وبأى وجهٍ تحتفى كلمــاتـــــى

بالعدلِ .. بالإيمانِ .. بالهمم ِالتى

شيدتها فى حكمةٍ وثبــــــاتِ ؟

أم بالرجال ِالصامدينَ على الهـــدى

بالحق ِ .. والأخلاق ِ.. والصلواتِ ؟

أم إنه زهدُ القلوبِ وسعيهـــــــــــا

للهِ دون مغانم ٍ وهبــــــــــــــاتِ ؟

أم أنه صدقُ العقيدةِ عندمـــــــــــا

تعلو النفوسَ سماحة النيــــــــاتِ ؟

أم أنه الإنسانُ حين يُحيطـــــــــــه

نبلُ الجلال ِ وعفة ُالغايـــــــــاتِ؟

أم انه حبُ الشهادةِ عندمـــــــــــا

يخبو بريقُ المال والشهـــــواتِ ؟

أم أنه زهدُ الرجال إذا علــــــــتَ

فينا النفوسُ عَلى نِدا الحاجــاتِ ؟

أم إنه العزمُ الجليلُ وقد مضــــى

فوق الضلال ِ وخسةِ الرغباتِ ؟

بل إنه القرآنُ وحى محمــــــــــدٍ

ودليلنا فى كل عصــــــر ٍ آت ..

 

◙  ◙   ◙

يا سيدَ الدنيا .. وتاجَ ضميـــــرها

اشفع لنا فى ساحة العثـــــراتِ

أنا يا حبيب الله ضاق بـِىَ المدى

وتعثـْرتْ فى رهبةٍ نبضاتــــى

وصفوكَ قبلى فوق كل صفــــاتِ

نورُ الضمير ِ وفجرُ كل حيـــاةِ

بشر ولكن فى الضمير ترفــــــعُ

فاق الوجودَ .. وفاقَ أى صفاتِ

وصفوكَ قبلى فانزوت أبياتـــى

وخَجلتُ من شعرى ومن كلماتى

ماذا أقولُ أمامَ بابك سيــــــدى

سكتَ الكلامُ وفاض فى عبراتى

يارب فلتجعل نهايةَ رحلتـــى

عند الحبيبِ وأن يراه رفاتـــــى

يومًا حلمتُ بأن أراه حقيقــــةً

ياليتنى ألقاه عند مماتــــــــــــى ..

arabstoday

GMT 16:41 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

العم عبعال

GMT 16:40 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

مليون فرصة يا طوقان.. وحدي الله

GMT 16:39 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

اجتياح غزة

GMT 16:37 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

تاريخ السنوسي وتاريخ القذّافي

GMT 16:01 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

السؤال الصيني في عالم مضطرب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبيب السباعى جمعنا العمر وفرقنا الرحيل لبيب السباعى جمعنا العمر وفرقنا الرحيل



داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 03:49 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

تعرّف على ما يخبئه لك الفلك

GMT 05:44 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

مقتل طفل وإصابة آخرين في انفجار لغم بريف إدلب

GMT 06:30 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

كنا نظنها حالة فريدة

GMT 23:10 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:26 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:14 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:28 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:20 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:15 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:29 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:17 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج السرطان الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:18 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 23:23 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab