تزورنى كثيرًا هذه الأيام أطياف أحزان غامضة ، ويبدو أن قلبى مع سنوات العمر لم يعد قادرًا على تحمّل موجات الألم. ورغم ذلك ، أجدنى أحيانًا أُحلّق بعيدًا عن ساحة الأحزان، وأعود للحظات من الزهو والجمال فى لحظات عشتها ما بين الحب والوطن والأمل .. رغم أن شحوب الأشياء يشعرنى أحيانًا بأنه لا جدوى، وبأن الحلم أصبح عبئًا ثقيلًا أمام واقع شديد القسوة .. أحيانًا أجلس مع نفسى أُقلّب سنوات العمر والحلم ، وكيف انتهى المزاد بكل هذه الخسارة..

 

ـــــ عدت أُقلب الصفحات، والفنان الكبير كمال الطويل يخبرنى بأن جيش مصر قرر أن يكون له نشيد يتردد على لسان الجنود والقادة كل صباح، وأن مسئولية كتابة كلمات النشيد أُسندت إليّ، وأنه سيقوم بتلحين النشيد .. شعرت يومها بالزهو بأن يكون نشيد جيش مصر من كلماتي، وانطلق النشيد، ومازلت أشعر بالسعادة كلما سمعته، وكان نشيد جيش مصر من أسعد لحظات حياتى.

ــــــ حدث الغزو الأمريكى للعراق وسقطت بغداد، وكتبت قصيدتى «من قال إن النفط أغلى من دمي»، واتصل بى الفنان كاظم الساهر وقال: قررت أن أُغنّى قصيدتك تحت عنوان «بغداد لا تتألمي، بغداد أنتِ فى دمي»، وجمع حشدًا من المطربين العرب، وانطلق بها يطوف الدول العربية والأوروبية.. وكنت سعيدًا أن أول قصيدة أدانت الغزو الأمريكى لبغداد كتبها شاعر مصرى عربي، وأصبحت «بغداد» من أغنيات المقاومة العربية فى كل العصور..

ــــــ اتصل بى د. رشاد رشدي، أستاذ الأدب الإنجليزى ومستشار الرئيس أنور السادات، وطلب منى أن أكتب قصيدة عن نصر أكتوبر، وكتبت قصيدة «عشقناك يا مصر»، وغنتها فى حفل أكتوبر الصديقة ياسمين الخيام، ولحّنها الموسيقار الكبير محمود الشريف، فى أول احتفالية بنصر أكتوبر حضرها الرئيس السادات والسيدة جيهان السادات.. وبعد ذلك تقرر تدريسها فى مدارس مصر، وكنت سعيدًا أن تتصدر كلماتى نصر أكتوبر.

ــــــ حين شهد لبنان أحداث الصدام الدامى مع الفلسطينيين، كتبت قصيدتى «يا زمان الحزن فى بيروت»، وفوجئت بأن القصيدة أصبحت أنشودة لحّنها الموسيقار الفلسطينى مهدى سردانة .. ولم يكن ذلك غريبًا، فقد جمعت أكثر من 20 قصيدة كتبتها عن فلسطين، وصدرَت فى ديوان «قصائد فى رحاب القدس».

ـــــــ كنت فى باريس، وكان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب قد اختار قصيدتى «فى عينيك عنوانى» لكى تُغنيها القديرة نجاة الصغيرة، وكنا قد غيّرنا بعض الكلمات فى لقاء فى بيت عبد الوهاب مع نجاة .. ولحّن عبدالوهاب أجزاءً من القصيدة، وبعد رحيله اكتشفت حرمه، السيدة نهلة القدسي، الأجزاء التى لحّنها الموسيقار الكبير، واجتمعنا مع مجدى العمروسي، ووقع الاختيار على الموسيقار محمد الموجي، وأكمل اللحن، وغنّتها الفنانة المغربية سمية قيصر وبعدها اعتزلت، وكانت مصادفة غريبة أن يجتمع اثنان من رموز الموسيقى فى عمل واحد: عبدالوهاب والموجي، ونجحت القصيدة نجاحًا مبهرًا..

ـــــــ دخل عليّ فى مكتبى خمسة شباب من السودان الشقيق، وقالوا: نحن أنشأنا فرقة موسيقية أطلقنا عليها «عقد الجلاد»، واخترنا قصيدتك «عذرًا حبيبي»، وقد حققت نجاحًا كبيرًا فى السودان ، ونريد موافقتك على طبعها فى شريط كاسيت.. ووافقت ورفضت أن آخذ منهم أى مقابل، واشتهرت الفرقة ونجحت وانتشرت.. وتشجع الشباب الخمسة وقدموا أغنية تهاجم الرئيس البشير، وسُجنوا جميعًا، وحين أُفرج عنهم هاجروا إلى كندا. وحين زرت السودان وجدت شرائط القصيدة فى كل مكان، ولم أجد الفرقة..

ـــــــ كنت أجلس أمام إحدى الفضائيات، وفوجئت بواحدة من قصائدى تُغنّيها فرقة يمنية، هى «فرقة الخلود»، وكانت قصيدة «اغضب» قد تحولت إلى نشيد للشباب فى اليمن، وما زالت حتى الآن تنطلق فى حشود الملايين الذين يقفون مع المقاومة..

ــــ كانت رواية سلمان رشدى حدثًا ثقافيًا عالميًا أثار انقسامات بين المثقفين العرب، ويومها كتبت قصيدتى «رسالة إلى سلمان رشدي»، وانقسم الناس حولها، وغنّاها طارق فؤاد، وانطلق بها فى العواصم العربية، وتحولت إلى خُطب فى المساجد، وما زالت مثارًا للخلاف حتى الآن بين من أدانها ومن أنصفها، وكانت حدثًا.

ـــــــ كانت «لو أننا لم نفترق» آخر لقاء بينى وبين كاظم الساهر، وكلما عشت معها لحنًا وكلامًا، أستعيد ذكريات كثيرة تمنحنى الصبر والقدرة أن أُهادن الحزن وأطوى صفحة الألم.

ـــــــ هذه اللحظات التى تتسلل بين أوراقي، أستعيد معها ذكريات أحداث ومواقف يمكن أن تُعين الإنسان على أن يُكمل الرحلة، حتى وإن كان الحلم ثقيلًا، والأيام فقدت الكثير من بهجتها، والإنسان يقف حائرًا أمام العجز وقلة الحيلة.

                                      ◙   ◙   ◙

 

..ويبقى الشعر

 

◙ رسمنا على القلب وجه الوطنْ

 نـخيـلا ونيـلا وشعبـا أصيـلا

 وصناك يا مصر طول الزمنْ

ليـبقـى شـبـابـك جيـلا فـجيـلا

 على كل أرض تركنا علامهْ

قلاعا من النور تحمى الكرامـهْ

 عروبتنا تفتديك القلوب

ويحمــــيك بالدمْ جيشُ الكنانة ْ

  وتنساب يا نيل حرا طليقاً

لتـحكـى ضفافـك معنـى النضـالْ

 وتبقى مدى الدهر حصنا عريقا

بصـدق القـلـوبِ وعـزم ِالرجـالْ

 يدُ الله يا مصر ترعى سماكِ

وفـِى سـاحـة الحـق يـعـلو نـداكِ

 ومادام جيشك يحمى حماكِ

ستمضى إلى النصر ِدوما خطاكِ

سلامٌ عليكِ إذا ما دعانا

 رســولُ الجـهــادِ لـيــوم الفــداءْ

 وسالتْ مع النيل ِيوما دمانا

لنـبنـى لمـصـر العـلا والرخــاءْ

 « نشيد الجيش»

------------------------------------

◙ أَطْفَالُ بَغْدَاد الحَزِينَةِ

يَسْأَلُونَ

عَنْ أَيْ ذَنْب يُقْتَلُونَ

يَتَرَنَّحُونَ عَلَى شَظَايَا الجُوعُ

يقتسمون خَبْزُ المَوْتِ

ثُمَّ يُودَعُونَ

اللّهُ أَكْبَرُ

مِنْ دَمَارِ الحَرْبِ يَا بَغْدَاد

وَالزَّمَنُ البَغِيضُ الظالم

اللّهُ أَكْبَرُ

مِنْ سماسرة

الحُرُوبُ عَلَى الشُّعُوبِ

وَكُلُّ تُجَّارٍ الدُّمِ

بَغْدَاد لَا تَتَأَلَّمِى

بغْدَاد أَنْتِ فِى دُمًى

من قصيدة «بغداد لا تتألمى»

---------------------------------

◙ حملناكِ يا مصرُ بينَ الحنايا

وبينَ الضلوع .. وفوقَ الجبينْ

عشقناكِ صدرًا .. رعانا بدفءٍ

وإن طال فينا زمانُ الحنينْ

فلا تحزنى من زمان جَحُودٍ

أذقناكِ فيه همومَ السنينْ

تركنا دمَاءكِ فوقَ الطريق ِ

وبين الجوانح همسٌ حزينْ

عروبتـَنا .. هل تـُرى تـُنكرين ؟

منحناكِ كل الذى تطلبينْ

سكبنا الدماءَ على راحتيكِ

لنحمى العرينَ فلا يستكينْ

وهبناكِ كلَّ رحيق الحياة ِ

فلم نـُبق شيئا .. فهل تذكرينْ ؟!

فيا مصرُ صبرًا على ما رأيتِ

جفاءَ الرفاق ِ لشعبٍ أمينْ

سيبقى نشيدُك رغمَ الجراح

يضىءُ الطريقَ على الحائرينْ

سيبقى عبيرُك بيتَ الغريبِ

وسيفَ الضَّعيفِ .. وحلم الحزينْ

سيبقى شابُك رغم الليالى

ضياءً يشعُّ على العالمينْ

فهيا اخْـلعى عنكِ ثوبِ الهموم

غدًا سوف يأتِى بما تحلـُمينْ

من قصيدة «عشقناك يا مصر»

---------------------------------

◙ فى كلَّ عامٍ .. كنتُ أحملُ زهرةً

مشتاقةً تهفو إِليكْ

فى كلِّ عامٍ .. كنتُ أقطِف بعضَ أيامي..

وأنثرها عبيرا فى يديكْ

فى كلَّ عامٍ .. كانت الأحلامُ بستانًا

يُزيِّن مقلتيَّ .. ومقلتيكْ

فى كلِّ عامٍ .. كنتَ ترحل يا حبيبى فى دمى

وتدوُر.. ثم تدورُ.. ثم تعود فى قلبى

لتسكن شاطئيكْ

لكن أزهارَ الشتاء بخيلةٌ

بخلت على قلبي.. كما بخلتْ عليكْ

عذَرًا حبيبي..

إِن أتيتُ بدون أزهارى

لأُلقيَ بعضَ أحزانى لديكْ

من قصيدة «عذرا حبيبى»

-----------------------------------

◙ سَيَجِيئُكَ صَوْتُ أَبِى بَكْرٍ

ويَصيحُ بِخَالِد : قُمْ واقْطَعْ رَأْسَ الشَّـيطانْ

 فَمُحَمَّدُ بَاقٍ مَا بَقِيتُ دُنْيَا الرَّحْمَنْ

وسيَعْلُو صَوْتُ الله .. وَلَوْ كَرِهُوا

فِى كُلِّ زَمَانٍ .. وَمَكَانْ

من قصيدة «رسالة الى سلمان رشدى»

--------------------------------

◙  لوْ أنـَّنـَا .. لمْ نـَفـْتـَرقْ

لبَقيتُ نجمًا فى سَمائِكِ ساريًا

وتـَركتُ عُمريَ فى لهيبكِ يَحْترقْ

لـَوْ أنـَّنِى سَافرتُ فى قِمَم ِ السَّحابِ

وعُدتُ نـَهرًا فى ربُوعِكِ يَنطلِقْ

لكنـَّها الأحلامُ تـَنثــُرنـَا سرابًا فى المدَى

وتـَظلُّ سرًا .. فى الجوَانح ِ يَخـْتنِقْ

من قصيدة «لو اننا لم نفترق»

----------------------------------

◙ أُحبك واحةً هدأت

عليها كلُّ أحزانـى

أُحبك نَسمةً تَروى

لصمتِ الناسِ ألحانـى

أُحبك نشوةً تَسرى

وتُشعلُ نارَ بركانـى

أُحبكْ أنتِ يا أملًا

كضوءِ الصبحِ يَلقانـى

أماتَ الحبُّ عشاقًا

وحبُّكِ أنتِ أحيانـى

من قصيدة «فى عينيك عنوانى»