بقلم : فاروق جويدة
ذهبت إلى الساحل الشمالى هروبًا من نيران القاهرة، واستقبلتنى حشود الرطوبة ونار الأسعار، وعدت أتذكر حين كانت الألف جنيه تكفينى أسبوعًا فى الإسكندرية، بما فيها فندق فلسطين العريق، وكانت مطاعم الأسماك تتنافس أيها أرخص، وكانت القهوة فى سان ستيفانو والبوريفاج بجنيهات ليست كثيرة، وكانت مقاهى الشاطئ تباهى مقاهى باريس وروما، وكان الأجانب من دول أوروبا يزينون المحلات بالنظافة والشياكة.
وقد وقعت فى حب محل صغير للأسماك فى محطة الرمل، صاحبه رجل يونانى وزوجته، وحين زرته وجدت المطعم الصغير مغلقًا وصاحبه عاد إلى بلده. وعلى شاطئ الإسكندرية أقمت أمسيات فى نادى سبورتنج العريق، وكان الحضور يشبه ليالى أم كلثوم، وشاهدت سهير البابلى وشادية على المسرح فى «ريا وسكينة»، وكانت دور السينما تقدم أحدث الأفلام، وكثيرًا ما كنت أطوف بين المكتبات فى محطة الرمل.
كانت هذه أيام الإسكندرية، ومنذ ذهبت إلى الساحل غاب وجه الإسكندرية، ولم يبق غير قصص كثيرة عن وجهٍ آخر: حفلات صاخبة، وأسعار مجنونة، وحشود غريبة من البشر. وأصبحت أسمع عن فنادق بمليون جنيه، وفيلات بعشرات الملايين، وتطوف فى خيالى صور وذكريات الإسكندرية، وأقول: ليلة واحدة فى فندق فلسطين كنت أدفع فيها مائتى جنيه بالفطور، وسط الأشجار العتيقة، والفيلات الأنيقة، وما بقى من سكان المنتزه من نجوم مصر فى عصرها الذهبي.
لم أعد أجد شيئًا من ذكرياتى أمام البحر من ليالى الإسكندرية، وما زلت غارقًا فى رطوبة الساحل وفروق الأسعار المخيفة..
أحب أبيات جميلة من شعر إبراهيم ناجى
كَمْ ذِكْرَيَاتٍ فِى الحَيَاةِ عَزِيزَةٌ
مَرَّتْ عَلَيَّ فَكُنْتِ أَغْلَاهُنَّ
وَسَأَلْتُ عَنْكِ العُمْرَ مَاضِيهِ وَحَاضِرَهُ،
فَكَانَ العُمْرُ أَنْتِ وَهُنَّ
وَاللهِ مَا غَدَرَ الزَّمَانُ، وَإِنَّمَا
هَانَتْ عَلَيْكِ الذِّكْرَيَاتُ وَهُنَّا