بقلم : فاروق جويدة
هناك فراق الأماكن أن تجتمعا فى مكان وبينكما عشرات الأميال، وهناك فراق المشاعر أن يختفى النبض ويغيب الإحساس، وهناك فراق الجسد أن تتلامس الأيدى وتلتقى العيون تتصافح الكلمات وتختفى الألفة وتسافر الأشواق. وفى أحيان كثيرة تصبح الأماكن سجنًا، والكلام نفاقًا، واللقاء عبئًا ثقيلًا، والمشاعر طائرًا يحلق، وأجمل ما فيه أن يكون حرًا بلا قيود. وأسوأ أنواع الفراق أن يصبح المكان سجنًا، أن ترى الأشياء ولا تراها، أن تسمع الكلام ولا تسمعه، أن تشعر بالغربة وأنت تحفظ جدران المكان، أن تتوحد الأجساد ويختفى الدفء وتعصف رياح البرودة، أن يصبح الغياب حقيقة والرحيل ضرورة، والفراق أمرًا واقعًا لا يحتمل التأجيل.
أصعب الأشياء فى دنيا البشر أن يصبح الحب ضيفًا ثقيلًا يفتقد الأمن والحلم والبهجة، يغيب سحر المشاعر ويخبو دفء الكلمات، ويطل الفراق فى أرجاء المكان، وتسافر اللهفة ويهدأ نبض الأشواق. ساعتها يأخذ الحب مكانًا قصيًا ويجلس وحيدًا يستعيد ما بقى من الذكرى وإن كانت قليلة.
وأسوأ أعداء الحب الفراق، إنه يبدل المشاعر ويبعد المسافات حتى وإن كانت قريبة، إنه يشطر الجسد ويمزق الحنين ولا يترك مجالًا للتسامح والعودة، إنه لا يعرف غير الألم والوداع والوحشة، إنه الموت والقاضى الذى أنكر العدالة واستخف بالرحمة ونصّب الطغيان سلطانًا.
فى الحياة فراق الأجساد، وفراق الأماكن، وفراق الغربة، والأصعب فراق الأرواح لأنه بلا عودة..
هناك فراق الأحباب وفراق الأماكن وغربة الأوطان، وهى أصعب آلام الفراق، حين يكون الوطن جاحدًا لا يحتوى قلوب أبنائه ومحبيه، يصبح الفراق قدرًا مقيمًا يسكن القلوب والأماكن..
الغنى فى الغربة وطن والفقر فى الوطن غربة من اجمل ما قال سيدنا على ــ كرم الله وجهه