إدارة العلاقات الإقليمية مرة أخرى «٢٢»

إدارة العلاقات الإقليمية مرة أخرى «٢-٢»

إدارة العلاقات الإقليمية مرة أخرى «٢-٢»

 العرب اليوم -

إدارة العلاقات الإقليمية مرة أخرى «٢٢»

بقلم - عبد المنعم سعيد

هناك نوعان من العلاقات الإقليمية فى منطقتنا، التى كثيرًا ما تسمى «الشرق الأوسط»، أولهما ما بين الدول العربية، وثانيهما ما بين هذه الدول مجتمعة وثلاثة أطراف خارجية: إيران وتركيا وإسرائيل. بحكم التعريف، فإن «الإقليم» وعلاقاته تدور فى إطار من الجوار الجغرافى، الذى يخلق علاقات بعضها يدعو إلى التعاون والتماسك، وبعضها الآخر يدفع فى اتجاه التنافر الذى يصل إلى العداء. التاريخ يقدم شهادات قوية أشرنا إزاءها، فى مقال الأسبوع الماضى، إلى أمرين، أولهما أنه فى الحالة العربية هناك ميل كثير إلى حالة من التشرذم والانقسام سواء كان ذلك بين الدول العربية وبعضها البعض؛ وثانيهما إلى حالة من التوتر والعداء مختلف الدرجات مع دول الجوار تصعد وتهبط حسب الظروف والأيديولوجيات السائدة. التركيز فى هذا المقام يدور حول مجموعة الدول العربية، التى رغم وجود درجة من التماسك فى مرحلة تحقيق الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، والتى قادت إلى إنشاء الجامعة العربية، فإن الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى شهدت- رغم البزوغ الكبير لأيديولوجية «القومية العربية»، ووجود تجارب للوحدة ما بين دول عربية- درجة عالية من التفكك. نشبت الحرب «الباردة» العربية انعكاسًا للحرب الباردة على المستوى الدولى مرة، ونتيجة التماسّ مع الصراع العربى الإسرائيلى حربًا أو سلامًا.

الآن، ومع العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، فإن الظروف العالمية والإقليمية تدفع الدول العربية إلى إدارة علاقاتها الإقليمية بطريقة مختلفة عما دأبت عليه خلال عقود سابقة، بعد أن خفتت الدوافع الأيديولوجية من ناحية، والخروج الأمريكى من المنطقة من ناحية أخرى، ونشوب الحرب الأوكرانية من ناحية ثالثة، بكل ما ترتب على هذه التطورات من نتائج سلبية على العالم العربى. لم يعد على العرب فى مواجهة تحديات التاريخ والعصر إلا الاعتماد على أنفسهم فى مواجهة أوضاع لا تستطيع دولة عربية وحدها أن تتعامل معها مهما بلغت من الكثافة السكانية أو الثروة المادية نفطية أو غير نفطية.

ثلاثة عوامل حاكمة للتفاعلات بين الدول العربية، أولها ما سبق ذكره من ضرورة البحث عن إقليمية عربية جديدة يكون الاعتماد على الذات لبنتها الأولى. وثانيها التجربة العربية ذاتها، التى حكمت التطور العربى خلال العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين، والمتعلقة أولًا بما سُمى «الربيع العربى» ونتائجه من حروب أهلية ونمو فى الإرهاب وتيارات الأصولية الدينية. وثالثها ظهور حالة من «الإصلاح العربى» فى عدد من الدول العربية، التى نجت من «الربيع» ونجحت فى مواجهته أو تلك التى تجاوزته من خلال رفض الأوضاع التقليدية العربية سواء كانت فى دول الممالك أو دول الجمهوريات. على سبيل الحصر، فإن دول الخليج العربية الست ومصر والأردن والمغرب شرعت من خلال إنضاج «الدولة الوطنية» و«الإصلاح الاقتصادى» وعملية التنمية الشاملة لمشروعات عملاقة واستثمارات تقوم على اختراق إقليم الدولة بالتحديث والحداثة، و«تجديد الفكر الدينى» فى تحديد سياساتها الداخلية والخارجية بشكل متكامل يعزز الإصلاح. هذا العامل الأخير وضع الدول العربية المعنية على أعتاب رؤى مختلفة تقودها إلى الأوضاع، التى عرفتها أوروبا وأمريكا الشمالية فى مطلع القرن العشرين، وفى آسيا بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن هذه الدول ذاتها كان عليها مواجهة الأوضاع الإقليمية المضطربة، والتخلص من عادات قديمة فى التفاعل مع الدول العربية الأخرى، ومواجهة واقع جديد، وربما عنيف أيضًا فى النظام الدولى.

الشكل الأول من العلاقات العربية- العربية الجديدة ظهر فى العلاقات المصرية السعودية عندما تم تخطيط الحدود البحرية بين مصر والمملكة فى البحر الأحمر، وهو الأمر الذى لم يضع فقط نهاية لأوضاع تاريخية معلقة، وإنما فتح أبواب الاهتمام بالبحر الأحمر كمنطقة أمنية مشتركة، وهو ما سعت إليه المملكة فى نطاق اهتمامها بأمن البحر الأحمر، فضلًا عن اهتمامها الثقافى بالبحر الأحمر. ومع وجود «المناطق الاقتصادية الخالصة» المصرية والسعودية، فإن رابطة اقتصادية نشأت، بحيث تقدم بُعدًا بحريًّا إقليميًّا يضيف لعمليات التنمية الجارية داخل البلدين. تنفيذ رؤيتى «٢٠٣٠» المصرية والسعودية يقود لتقابل المخطط التنموى السعودى فى شمال غرب المملكة؛ مع التوسع الاقتصادى والتنموى المصرى فى محور قناة السويس وشمال شرق مصر فى سيناء. الشكل الثانى جاء باتباع الدرس الأوروبى فى استخدام «الحديد والصلب» كقاطرة للتعاون الإقليمى لكى يكون فى الإطار العربى النفط والغاز، وجاءت بدايته من خلال إنشاء منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط، الذى ضم سبع دول عربية وغير عربية. الشكل الثالث للعلاقات الإقليمية أخذ اتجاه «السلام الإبراهيمى»، الذى أخذ توجهًا مختلفًا عما ساد فى اتفاقيات السلام المصرية والأردنية مع إسرائيل مختلطًا مع درجات من «البرود» فى عمليات التطبيع مع الدولة العبرية. الشكل الرابع تزعمته السعودية بحل التنازع والانقسام الجارى بين دول عربية حينما نجح «إعلان العلا»، الصادر عن قمة مجلس التعاون الخليجى، فى ٤ يناير ٢٠٢١، فى فض الخلاف ما بين دول «التحالف الرباعى» المكون من السعودية ومصر والإمارات والبحرين من ناحية، وقطر وتركيا من ناحية أخرى.

الأشكال الأربعة من التعاون الإقليمى اشتركت فيها أبعاد «جيو سياسية» و«جيو اقتصادية» و«جيو استراتيجية» تتداخل مع عمليات التحديث والبناء الداخلى لكى تشق طريقًا جديدًا فى إدارة العلاقات الإقليمية فى موضوعات مرتبطة بالأمن الإقليمى والتنمية الإقليمية، فى زمن تبدو فيه «العولمة» فى حالة تراجع عالمى بات فيه على الدول والأقاليم أن تعتمد على نفسها. ولعله لم تكن هناك مصادفة عندما أشار سمو ولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، إلى بزوغ «أوروبا الجديدة» من الشرق الأوسط بما يتناسب مع القرن الواحد والعشرين. هذه الأشكال كان لكل منها طابعها الخاص، وأولوياتها المختلفة، ولكنها فى نفس الوقت تفتح أبوابًا كثيرة للتعامل الإقليمى مع قضايا معقدة، تقع على رأسها حالة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى الملتهبة؛ والنزعة العدوانية الإيرانية، التى تتزايد مع تدهور أحوالها الداخلية، وعجزها عن التوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية بخصوص توجهها نحو إنتاج أسلحة نووية. ولكن رغم وجود هذه العقبات، فإن هذه الأشكال قابلة للتطوير والتأثير على أطراف متمردة مثل إسرائيل وإيران على السلوك السليم طبقًا للقواعد الدولية.

لم يكن التاريخ ساكنًا إذن خلال السنوات القليلة الماضية، رغم الأزمات العالمية العديدة، من «كوفيد- ١٩» إلى الحرب الأوكرانية والأزمات الاقتصادية التى ولّدتها. وإذا كانت الأزمات كما يُقال مخاطر وفرصًا معًا، فإن التجارب المنوه عنها يمكن التوسع فيها، حيث يبدو إقليم شمال البحر الأحمر، بل البحر الأحمر كله أو معظمه، قابلًا لمشروعات أمنية واقتصادية متنوعة، فهو يفتح الأبواب فى اتجاه إفريقيا فى الجنوب وأوروبا فى الشمال، وكلتاهما تشكل عمقًا استراتيجيًّا للدول العربية المعنية، التى باتت الآن مختلفة كثيرًا عما كانت عليه من قبل. الفرص هكذا كبيرة، وتنتظر مَن يستغلها من خلال عمليات تشاور واسعة النطاق تضع العمل والزمن فى حساباتها.

arabstoday

GMT 18:04 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 05:17 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٦)

GMT 05:14 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أمٌّ صنعت معجزة

GMT 05:10 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

بورصة أسماء الوزراء

GMT 05:07 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

الرد على الرد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة العلاقات الإقليمية مرة أخرى «٢٢» إدارة العلاقات الإقليمية مرة أخرى «٢٢»



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مصر تنفي أي نقاش مع إسرائيل بشأن خطط اجتياح رفح
 العرب اليوم - مصر تنفي أي نقاش مع إسرائيل بشأن خطط اجتياح رفح

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

دنيا سمير غانم تعود للسينما بـ«الجارادية»
 العرب اليوم - دنيا سمير غانم تعود للسينما بـ«الجارادية»

GMT 20:07 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

سماع دوي انفجار في رفح جنوب قطاع غزة

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان

GMT 16:30 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

رئيس الإمارات يستقبل سلطان عمان في أبوظبي

GMT 10:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

219 مستوطنا إسرائيليا يقتحمون المسجد الأقصى

GMT 18:53 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

اعتقال 3 ألمان للاشتباه في تجسسهم لصالح الصين

GMT 10:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال خطير يضرب سواحل المكسيك على المحيط الهادئ

GMT 20:49 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

إصابة تامر ضيائي بجلطة مفاجئة

GMT 01:34 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab