بقلم : عبد المنعم سعيد
محتوى الإعلام فى معظمه تعبير عن الهوية الوطنية ومغذ لها فى الوقت نفسه. وفى مكان آخر كتبت أن الشائع بين البشر أنهم مثل بعضهم البعض من وجهة النظر البيولوجية، ولكن الإنسان أيضا شخصية اجتماعية واقتصادية وسياسية، وبين الأطباء فإن كل إنسان حالة وحده بما فيه من توارث الخلايا، وبيئة التربية، وثقافة المحيط بما يرى ويسمع ويأكل ويشرب.
الدول والأمم لكل منها ما يجعلها متفردة عن الأخرى، وجاء هذه التفرد من عملية تاريخية فيها ما هو طبيعى ومتوارث، وما هو تحت الصهر والتكوين من قبل الجغرافيا والديمغرافيا والتاريخ. وإذا كان الإنسان إلى حد غير قليل أسير والديه، فإن الدول والأمم أسيرة جغرافيتها وجيرانها وتوالى كليهما فى الأزمان والعصور. هى عملية تاريخية حديثة عندما تمزقت إمبراطوريات تاريخية تجمعت على أسس أغلبها دينى وولاء للإمبراطور، شخصية وأسرة مقدسة وقيادة عسكرية.
وليس صدفة أنه رغم التغييرات الكثيرة التى جرت على العالم خلال القرنين الأخيرين، فإنه لا تزال بين دول العالم إمارات أو ممالك تحكمها أسرة كانت هى التى وضعت اللحمة بين أهل البلاد. فى أوروبا لا تزال الملكية موجودة بأعلامها الصليبية، وبلاطها بتقاليده ورموزه التى تصنع عروة وثقى بين أفراد باتوا قبيلة كبيرة اسمها إنجلترا أو الدنمارك والسويد وهولندا وإسبانيا بعد الحرب الأهلية، لم تعد الروح فيها إلا مع رجوع الملكية.
مصر حالة فريدة، حيث جاءت الرابطة فيها مبكرة عندما بات النيل ملتحما مع بناء حضارة فرعونية عميقة على مدى ثلاثة آلاف عام؛ ولكن الثلاثة آلاف عام التالية فتحت أبوابا للاختلاط مع أمم أخرى وضعت آثارها على وادى النيل. ومع القرن التاسع عشر بدأت مصر تطل على الحداثة مع الوالى محمد على وهى التى سرعان ما أطلعت مصر على تاريخها القديم. وبقدر ما كان فى ذلك جوهرا للهوية الوطنية المصرية، فإنه وضع على أكتاف الإعلام وظيفة دعمها واستثمارها، لتكوين قوة دافعة نحو التقدم.