من الفتح إلى التوازن الاستراتيجي

من الفتح إلى التوازن الاستراتيجي

من الفتح إلى التوازن الاستراتيجي

 العرب اليوم -

من الفتح إلى التوازن الاستراتيجي

بقلم: عبد المنعم سعيد

مصر خلال تاريخها بعد الحرب العالمية الثانية اعتمدت على «الفتح الاستراتيجى» الذى يتيح لها علاقات إقليمية ودولية متميزة، حيث ساهمت فى إنشاء جامعة الدول العربية، ودخلت حرب فلسطين الأولى رغم التحفظات فى مجلس الشيوخ والوزراء، وهى الحرب التى كانت بداية حروب امتدت إلى أخريات (١٩٥٦، ١٩٦٧، ١٩٦٩/١٩٧٠، ١٩٧٣) مضاف لها حربا فى اليمن، والتورط فى عدد من الصراعات الإفريقية مساندة أو مشاركة حتى حرب تحرير الكويت. كان لهذه المرحلة بحلوها ومرها ظروفها الخاصة والتى يستحسن تركها للمؤرخين، ولكن الأمر المهم هنا أن التركيز الداخلى على بناء الدولة فقد الكثير من قوة الدفع والعنفوان، بل ونمت مدرسة كاملة فى السياسة الخارجية المصرية قوامها أن «الفتح الاستراتيجى» يدعم عملية التنمية المصرية، بما حصلت عليه مصر من منح ومعونات ومكانة فى النظام الإقليمى والدولى. ووقف وراء هذه «الاستراتيجية العليا» تصور جاء فى كتاب «فلسفة الثورة» للرئيس جمال عبد الناصر الذى تصور ثلاث دوائر تتحرك فيها السياسة الدبلوماسية المصرية وهى: العربية والإفريقية والإسلامية؛ وعالميا سعت مصر لكى تشكل كتلة ثالثة فى العلاقات الدولية تبنت سياسات عدم الانحياز والحياد الإيجابى ومجموعة الـ٧٧ فى الأمم المتحدة.

كانت هزيمة يونيو ١٩٦٧ نقطة فاصلة فى التاريخ المصرى من حيث كشفها عن التفاوت ما بين القدرات والإمكانيات المصرية الفعلية؛ والتوسع الضخم فى الأهداف المصرية الدولية والإقليمية. ورغم الإنجازات التى أحرزتها مصر فى حربى الاستنزاف (١٩٦٨-١٩٧٠) وحرب أكتوبر ١٩٧٣ وتحريرها لكامل التراب الوطنى بعد معاهدة السلام مع إسرائيل فإن مصر خرجت من التجربة منهكة، وكانت مظاهرات الخبز عام ١٩٧٧ واغتيال الرئيس السادات ١٩٨١ مؤشرا على هذا الإنهاك واعتراضا على عملية الإصلاح التى حاول الرئيس السادات القيام بها من خلال سياسة الانفتاح الاقتصادى. ومن مفارقات هذه المرحلة أن حرب أكتوبر غيرت الكثير من موازين القوى الإقليمية عندما رفعت أسعار البترول التى سرعان ما أعطت الدول الإقليمية، عربية وغير عربية، قدرات كبيرة تجاوزت ما لدى مصر من إمكانيات، وبدأ ميزان القوى يتغير فى المنطقة.

حاولت مصر خلال عقد التسعينيات من القرن الماضى والعقد الأول من القرن الحالى أن تقوم بعمليات إصلاح جادة، ولكن التردد والبطء والخوف من اتخاذ القرارات الصعبة أدى إلى حالة من «الانكماش الاستراتيجى» التى جعلت مصر تنسحب من مجالات إقليمية ودولية كثيرة دون أن يصاحب ذلك صلابة فى الإصلاح الداخلى وبناء عناصر القوة المصرية. نتيجة ذلك كان أولا حالة من الخلل الإقليمى الكبير الذى ترتب عليه «الربيع العربى» الذى كانت «ثورة يناير ٢٠١١» المصرية، وتبعاتها حتى «ثورة يونيو ٢٠١٣» من أهم سماتها.

وثانيا أنه نتيجة هذا الخلل الاستراتيجى أن الدول الإقليمية– إيران وتركيا وإسرائيل- انتهزت الفرصة وأخذت فى مد توسعاتها فى النفوذ والأرض؛ ومعها فإن القوى الدولية الأخرى خاصة روسيا والولايات المتحدة تدخلت هى الأخرى. وثالثا أن الفراغ الذى نجم عن الخلل الكبير فى الإقليم أنتج كيانات سياسية من غير الدول، تمثلت فى حركات سياسية عابرة للحدود مثل جماعة الإخوان المسلمين والقاعدة و«داعش» التى نجحت فى خلق دولة «الخلافة الإسلامية» على الحدود العراقية السورية، والتى نجح تحالف دولى متعدد الأطراف فى تدميرها. هذه الكيانات ولدت العديد من الكيانات الأخرى المنشقة والتى كانت جميعها ذات طبيعة إرهابية ومثلت تهديدا للدول العربية، خاصة الدولة المصرية.

ثورة يونيو ٢٠١٣ أدخلت مصر مرحلة جديدة فى سياساتها الخارجية وحماية أمنها القومى تبدأ من حقيقة أن البناء الداخلى وبناء عناصر القوة هو حجر الأساس فى حماية مصر وتحقيق أهدافها الاستراتيجية فى تعبئة البيئة الخارجية لدعم الداخل المصرى. والحقيقة الثانية أن التركيز على البناء تواكبه سياسات خارجية تقوم على التعاون والحد الأدنى من الاشتباك فتحافظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتدير قضية المياه مع إثيوبيا بحيث لا تقود إلى صراع وإنما إلى عمل مشترك، وإذا كان ضروريا كما هو الحال مع ليبيا فإن القوات المسلحة تستخدم بحزم وحساب ولإرسال الرسائل أن مصر قادرة على استخدام القوة عندما تقتضى الحالة. هنا فإننا نجد الحركة المصرية النشطة تقتصر على الحدود المباشرة لمصر مع فلسطين وإسرائيل فى الشمال الشرقى، ومع ليبيا فى الغرب، ومع السودان وإثيوبيا وإريتريا فى الجنوب. هذه كلها تمثل القضايا المباشرة التى تتعلق بالأمن القومى المصرى، وفيما عداها فإنها تلتصق بعمليات البناء الداخلى، ومن ثم كانت هناك اتفاقيات تخطيط الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية التى فتحت أولا أبواب الاستغلال المصرى للمنطقة الاقتصادية الخاصة بها فى البحر الأحمر؛ وثانيا أبواب تعمير سيناء؛ كما كانت اتفاقية تخطيط الحدود البحرية مع قبرص التى قادت إلى تنمية حقلى «ظهر» و«نور» للغاز،

والتعاون فى منطقة شرق البحر المتوسط فى نقل وتسييل وتصنيع الغاز على الأرض المصرية. وإذا أخذنا كل ذلك مع تنمية إقليم قناة السويس فإن مصر تصير مركزا إقليميا للطاقة. «التوازن الاستراتيجى» المصرى بين الداخل والخارج خلال مرحلة البناء الراهنة يعطى الفرصة لمصر لم تتوفر لها خلال عقود ماضية حيث كانت العيون على الخارج تفقد الداخل مركزيته ومحوريته.

 

arabstoday

GMT 10:18 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

«يونان».. الحياة تقف على باب الموت!!

GMT 10:14 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

حلم الدكتور ربيع!

GMT 10:10 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الأفكار الكبرى

GMT 10:08 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

أنا والعمود الصحفى

GMT 10:05 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

التنوير .. والليبرالية

GMT 10:02 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

حين تسقط العدالة!

GMT 21:58 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

الدَّرس

GMT 21:56 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

الهجوم على خالد بن الوليد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الفتح إلى التوازن الاستراتيجي من الفتح إلى التوازن الاستراتيجي



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:04 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تؤكد أن انتظام مواعيد النوم يخفض ضغط الدم ويحمي القلب
 العرب اليوم - دراسة تؤكد أن انتظام مواعيد النوم يخفض ضغط الدم ويحمي القلب

GMT 13:21 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

هل ما زالت الثقافة مهمة؟

GMT 12:43 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان سعيد مختار في مشاجرة أمام ناد شهير بأكتوبر

GMT 15:26 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يكشف التميمة الرسمية لكأس أمم إفريقيا في المغرب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن رغبته في اتفاق يضمن خلو جنوب سوريا من السلاح

GMT 19:30 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

تقرير يكشف استبعاد بلير من عضوية "مجلس السلام" في غزة

GMT 12:11 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي ويصف صوته بصوت ملاك

GMT 13:07 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

GMT 10:01 2025 السبت ,06 كانون الأول / ديسمبر

قراءة في بيان القمة الخليجية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab