بقلم : عبد المنعم سعيد
كان «تشارلز داروين» من توصل في كتابه «أصل الأنواع» (1859) إلى نظرية «النشوء والارتقاء» التي قامت على عملية الانتقاء الطبيعي الذي ينقل الإنسان من حالة أقل شأنا إلى عالم أكثر تقدما. الكتاب والنظرية والعملية لهم كُتّابهم وكتبهم؛ ولكن الأمر عند تغيير العالم الحالى يشكل نقطة مفصلية نتيجة اختيار أكثر شعوب العالم تقدما لرئيس لم يكن جديدا، وجرت متابعته في فترة رئاسية كاملة كانت الأكثر فشلا في التاريخ الأمريكي المعاصر. ماضيه العقاري والسياسي وضع تحت المجهر في عشرات الكتب ومع ذلك تجمعت أقدار نجوم عديدة لكي يصل إلى البيت الأبيض وفق برنامج 2025 الذي أنكره مرشحا ثم شكل طاقمه من المؤلفين له! الآن فإن العالم، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية - يمر بأكبر عملية انقلاب عرفها منذ الحرب العالمية الثانية.
المسيرة الأمريكية منذ الحرب كانت تدفع التطور الإنساني إلي تصفية المستعمرات وعالم أكثر غني وأحسن صحة، وبلغ عدد سكان الكوكب 8 مليارات نسمة يعيشون حالة من العولمة لم تشهدها البشرية من قبل. لم تخل المسيرة الأمريكية من ذنوب ومعاص كثيرة في حروب قاسية ومساندة ظالمين؛ ولكنها كانت فكريا ومؤسسيا دافعة ضد العنصرية؛ وسابقة في العلم، وساعية أحيانا نحو السلام.
ترامب يجسد كل ما هو ضد ذلك، وهو كذاب بالطبيعة، ومدان من محاكم أمريكية لا تستطيع تنفيذ أحكامها في رئيس يحكم طبقا لفصل السلطات، وفي اليوم الأول من حكمه أساء استخدام سلطة الرئيس في اتخاذ قرارات تنفيذية لكي يقلب بالمعني الحرفي القانون والدستور الأمريكي رأسا على عقب. أخرج أمريكا من عالمها الذي أنشأته عندما للمرة الثانية أخرج واشنطن من اتفاقية باريس لمواجهة الاحتباس الحراري؛ ومنظمة الصحة العالمية التي كشفت فشله في مقاومة «كوفيد 19». وفي العموم فإن ترامب عبر عن عدائه للأمم المتحدة والمحاكم الدولية، وخصومته للاتحاد الأوروبي وحلف الأطلنطي. واستحضر مع كل ذلك كل تقاليد القرن التاسع عشر والعشرين في الإمبريالية.