بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لأبى عثمان عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ طريقة غير مألوفة أو معتادة فى تقديم بعض كتبه. ويبدو تقديمه لكتابه المشهور «الحيوان» مثالا واضحا على هذه الطريقة. فهو لا يكتفى بالتعريف بما يريد لكتابه أن يكون، بل يزيد على ذلك تحديد ما لم يرد لهذا الكتاب أن يكون.
نقرأ فى مقدمة الكتاب قول الجاحظ: «ليس هذا الكتاب، يرحمك الله، فى إيجاب الوعد والوعيد، فيعترض عليه المرجئ، ولا هو فى تصويب الحكمين فيتسخطه الخارجي، ولا هو فى تقديم الاستطاعة فيعارضه من يخالف التقديم، ولا هو فى تفضيل البصرة على الكوفة ومكة على المدينة والشام على الجزيرة، ولا فى تفضيل العجم على العرب، وعدنان على قحطان، ولا هو فى تفضيل مالك على أبى حنيفة، ولا هو فى تفضيل امرؤ القيس على النابغة، وعامر بن الطفيل على عمرو بن معدى كرب، وعباد بن الحصين على عُبيد الله بن المر، ولا فى تفضيل سيبويه على الكسائي، ولا فى تفضيل الجعفرى على العقيلي، ولا فى تفضيل حلم الأحنف على حلم معاوية، فإن لكل صنف من هذه الأصناف شيعة، ولكل رجل من هؤلاء جنداً وعدداً من المخاصمين، والمتسرعون منهم كثير، وعلماؤهم قليل، وإنصاف علمائهم أقل ..».
يوضح الجاحظ إذًا لمن يشرع فى قراءة الكتاب الذى نُشر كاملاً فى مشروع «مكتبة الأسرة» عام 2006، ما لن يجده فى هذا الكتاب، وكأنه يريد القول إنه يلتزم الموضوعية ولا ينحاز إلى أحد على حساب آخر. ولعله تصور أن حديثه عما يتضمنه الكتاب لا يكفي.
فقد كتب فى التقديم له: «هذا كتاب تستوى فيه رغبة الأمم، وتتشابه فيه العرب والعجم، لأنه وإن كان عربيًا إعرابيًا، وإسلاميًا جماعيًا، فقد أخذ من طرف الفلسفة، وجمع معرفة السماع وعلم التجربة، وأشرك بين علم الكتاب والسُنة، وبين وجدان الحاسة وإحساس الغريزة، ويشتهيه الفاتك كما يشتهيه الناسك، ويشتهيه الغبى كما يشتهيه الفطن».
والحال أن تحديد ما لا يتضمنه الكتاب وعدم الاكتفاء بما يوجد به ليس مألوفًا ولا هو منتشر، سواء فى الكتابات العربية أو غيرها.