بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
قليل، الأكاديميون والعلماء الذين أثروا فى مسار الاقتصاد العالمى واتجاهاته الأساسية. وأهمهم اثنان يجوز القول إنهما نقيضان هما الإنجليزى جون كينز (1883-1946) والأمريكى ميلتون فريدمان (1912-2006). أحدث كينز فى زمنه نقلة كانت كبيرة فى التفكير الاقتصادى المتأثر بالليبرالية التقليدية. وكان كتابه «النظرية العامة فى العمل والفائدة والنقود» الصادر عام 1936 نقطة تحول، إذ أثبت ضرورة تدخل السلطة العامة لتنظيم العملية الاقتصادية، ونقل التحليل الاقتصادى من المستوى الجزئى Micro إلى المستوى الكلى Macro. ودافع عن استخدام السياسة المالية والنقدية لمعالجة مشاكل التفاوت الاجتماعى وأزمات الركود الاقتصادى. كما أعاد النظر فى بعض مسلمات التحليل الاقتصادى التقليدى الذى كان يعتمد على عرض السلع فى الأسواق، حيث ركز على الطلب للخروج من حالات الركود. وأثبت جدوى تدخل الحكومات لزيادة الائتمان العام ورفع الأجور من أجل زيادة الطلب، وبالتالى تشجيع الاستثمار لزيادة العرض والانتقال من الركود إلى النمو. وكان واضحًا أيضًا فى أن تدخل الحكومات يجب أن يشمل السياسات اللازمة لوضع حد لطمع الأقوياء. وقد تبنى الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت بعض أهم أفكار كينز فى برنامج «العهد الجديد» الذى تضمن زيادة الضرائب على الشركات الكبرى والأغنياء، ووضع ترتيبات للضمان الاجتماعى، وحماية النقابات العمالية. وجاء فريدمان بعد عقود ليسهم فى إعادة الاقتصاد إلى ما قبل كينز عبر إعادة الاعتبار إلى السوق الطليقة من أى قيد، وتقليص دور الحكومات ليقتصر على حماية الحدود والأمن وتهيئة الأجواء للاستثمارات الخاصة وتوفير البنية الأساسية اللازمة لها. وانتقلت أفكار فريدمان الليبرالية الجديدة بسرعة من عالم الأفكار إلى المجال السياسى، إذ تبنتها أحزاب وجماعات ذات نفوذ دفعت بمرشحين مرتبطين بها فى بعض الدول الغربية مثل رونالد ريجان فى الولايات المتحدة ومارجريت ثاتشر فى بريطانيا. فقد طوَّر فريدمان وتلاميذه أفكارًا جديدة يمكن نقلها إلى عالم السياسة، وتمكنوا من إيجاد أساس نظرى لها لا يقتصر على إحياء المفهوم الليبرالى التقليدى بشأن السوق الحرة. وانتشرت أفكارهم فى عدد متزايد من دول العالم منذ آخر سبعينيات القرن الماضى، مثلما شاعت أفكار كينز فى منتصفه.