بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لم يتيسر للمثقفين المصريين الذين تعرفوا على أفكار غربية وتأثروا بها، فى أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، أن يقدموا إسهامات تضع هذه الأفكار فى منظومة فكرية متماسكة. والحال أنهم كانوا مشدودين فى الأساس لأفكار عصر التنوير فى القرن 18 أكثر من الأفكار الليبرالية الأكثر تطورًا التى ظهرت فى القرنين 19 و20. وكان أكثرهم معجبًا باثنين من مفكرى عصر التنوير على ما بينهما من اختلاف، وهما جان جاك روسو وفولتير. دون تعمق فى فهم فلسفة أى منهما. وعلى سبيل المثال فقد ترجم د. محمد حسين هيكل (1888 – 1956) عددًا من أعمال روسو فى الفترة بين العامين 1921 و1927. ولكن لم يكن بينها كتابه الأكثر أهمية «العقد الاجتماعي» ولم يُترجم هذا الكتاب إلى العربية إلا عام 1985 فى تونس. ورغم أن فرح أنطون كان أحد أهم المثقفين الذين اهتموا بالأفكار الغربية وتأثروا بها، فقد حالت ميوله الأدبية دون التنظير الفكرى انطلاقًا من تلك الأفكار. ومع ذلك فقد استهدفت أعماله الأدبية ترسيخ مبادئ الحرية والعلمانية والعقلانية والتسامح. وحظى مبدأ التسامح الذى سماَّه التساهل باهتمام خاص فى أعماله الأدبية. وكان فهمه لمبدأ العلمانية معتدلاً وليس متطرفًا. فقد رأى أن الدول تتقدم عندما تفصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، وتحترم الأديان المختلفة وتنبذ التعصب، وتمنع التمييز بين المواطنين على أساس ديني، وتلتزم بحرية الاعتقاد باعتباره حقًا طبيعيًا للإنسان. وكان أنطون وقاسم أمين أول من تبنوا الدعوة إلى تعليم المرأة، حيث ارتبطت تلك الدعوة لديهما برؤية واسعة للتجديد الاجتماعي. ولكن شهرة قاسم أمين فى هذا المجال فاقت أنطون رغم دوره المهم الذى بدأ عندما أسس مجلة «الجامعة» عام 1899، إذ خصص بابًا فيها لهذه القضية أطلق عليه «المرأة والعائلة». وكان هذا كله، وغيره مما لا يتسع المجال له، بمثابة إرهاصات أولى لتيار فكرى لم يُقدر له أن يتبلور فى مصر، إذ ظل سائلاً على نحو حال دون تأسيس كيانات قوية تعبر عنه.