بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا تنحدر القوى الكبرى وتهبط من عليائها بفعل مؤثرات خارجية بمقدار ما يحدث ذلك نتيجة اختلالات داخلية تجعل هذه المؤثرات أكثر تأثيرًا. وترتبط الاختلالات الداخلية فى الأغلب الأعم بسياسات خاطئة تؤدى إلى تآكل فى مصادر القوة وأدواتها وتُضعف القدرات التى اعتمدت عليها هذه القوة الكبرى أو تلك فى صعودها إلى قمة النظام العالمى. ويزداد خطر الاختلالات الداخلية فى الحالات التى تتنامى فيها غطرسة القوة التى تمارسها هذه الدولة الكبرى أو تلك. فهذه الغطرسة تحول عادة دون ملاحظة الاختلالات الداخلية التى تزداد حتى تصل إلى مستوى يُضعف قدرة الدولة الكبرى أن تبقى كبرى.
ويحدث بعض هذا الآن، أو كثير منه، فى الولايات المتحدة نتيجة سياسات خاطئة فى اتجاهات عدة من أهمها السياسة المتطرفة تجاه الهجرة. الولايات المتحدة فى الأصل والأساس دولة مهاجرين. فقد بُنيت بأيدى مهاجرين وعقولهم. ومازالت تعتمد على أصحاب عقول وخبرات كبيرة يذهبون إليها ويقيمون فيها، وتطول سياسات تعقب المهاجرين هؤلاء أيضًا رغم أنهم يقدمون خبراتهم دون أن يطلبوا الهجرة والحصول على الجنسية فى المقابل. فقد أصدر الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضى بفرض رسوم قدرها مائة ألف دولار على طلبات تأشيرات «إتش ون بى» التى تُعطى لغير المهاجرين الذين يعملون فى مهن متخصصة بدعوى أنه إفراط فى استخدام البرنامج الخاص بهذه التأشيرات.
ومن شأن هذه الرسوم غير المعقولة أن تمنع أعدادًا كبيرة من المواهب من تقديم عصارة عقولهم ومعارفهم للولايات المتحدة، الأمر الذى يُفقدها أحد أهم مصادر قوتها وتفوقها فى مجالات التكنولوجيا الأكثر تقدمًا، وربما يعطى الصين فرصة للتفوق عليها. ولم تتأخر الصين فى اغتنام هذه الفرصة إذ أسرعت إلى إطلاق تأشيرة «إتش ون بى كى» لجذب المواهب فى مجالات العلوم والتكنولوجيا.
وإذا نجحت الصين فى جذب من تقف الرسوم الباهظة حائلاً دون ذهابهم للعمل فى الولايات المتحدة، ربما تكون هذه خطوة مهمة فى صعودها بالتوازى مع انحدار أمريكى تدريجى قد تظهر نتائجه بعد سنوات.