بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا يحتاج التحقق من الانهيار اللغوى المؤلم فى المجتمعات العربية إلى أدلة. شواهده دالة عليه فى مواقع التواصل الاجتماعي، كما فى أسماء محلات تجارية ومجمعات سكنية لا يجد أصحابها فى لغتنا الجميلة ما يرضيهم، وكذلك فى خُطب وكلمات تُلقى فى مؤتمرات وندوات، وغيرها. وليست مواقع التواصل الاجتماعى وحدها التى تعج بأخطاء إملائية ونحوية فادحة. بعض الصحف والمجلات والدوريات تكتظ أيضًا بهذه الأخطاء. وأكثرها مما يُفترض أن التلاميذ يتعلمونه فى المدارس الابتدائية. يشعر محبو اللغة والغيورون عليها بالألم والأسى عندما تصدمهم هذه الأخطاء.
فقد باتت قليلةً الكتابات التى تُثلج صدورهم لغويًا مثل الرسالة التى قدمها الزميل فى «الأهرام» محمد الحديدى لنيل درجة الدكتوراه، وشرفت بالمشاركة فى لجنة مناقشتها والحكم عليها. خلت هذه الرسالة المعنونة «برنامج مقترح لتنمية مهارات التفاوض والتواصل الشفهى لمتعلمى اللغة العربية الناطقين بغيرها»، من الأخطاء اللغوية أو كادت. وهى فى مجملها من أفضل الأطروحات الجامعية التى اطلعت عليها فى السنوات الأخيرة.
ولكن ما أن فرغتُ من قراءتها حتى صدمنى مجددًا تردى مستوى اللغة العربية فى كثير المقالات المقدمة لنيل جائزة المقال الصحفى فى إحدى المسابقات. مقال واحد من بين 55 مقالاً مقدمًا فيها خلا من الأخطاء اللغوية، أى بنسبة أقل من 2%. تراوح مستوى اللغة فى معظم المقالات الأخرى بين ضعيف ومتوسط.
وهذا أمر مُروَّع لأن اللغة هى الوسيلة التى يعتمد عليها كاتبو المقالات فى التعبير عن أفكارهم وآرائهم. ويزيد الطين بلة أن معظم القراء لا يدركون الأخطاء اللغوية فيما يقرأونه، أو لا تحزنهم إذا لاحظوها. فقد استُبيحت لغتنا الجميلة حتى صار سحقها أمرًا معتادًا لا يؤرق قارئًا يجد فى مقالات يُطالعها أخطاء بالجملة.
أتذكر من وقت إلى آخر البرنامج الإذاعى الرائع الذى قدمه المذيع المثقف فاروق شوشة لسنوات طويلة «لغتنا الجميلة» الذى كنت أنتظره بشغف وأتعلم منه لغةً وثقافةً على حد السواء. فليت نقابة الصحفيين تهتم بعمل برنامج للارتقاء بمستوى اللغة التى تُسحق فى بعض ما يُنشر فى صحف ومواقع صحفية، خاصةً أن لديها مركزًا كبيرًا للتدريب.