بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ذهب ملياردير التكنولوجيا الأكثر تقدمًا إيلون ماسك بعيدًا جداً فى خلافه مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. لم يكمل «شهر العسل» الذى جمعهما عامُا واحدًا، رغم أنهما تبادلا خلاله عبارات الإشادة والتبجيل. تحول خلافهما على قضايا عامة إلى خصومة شخصية. وليس هذا بغريب. فالتوتر والاحتقان يسودان الأجواء السياسية الأمريكية. وهذه هى إحدى سمات الانقسام المجتمعى حين يبلغ أوجه وقد يحمل معه أخطارًا شتي.
ويبدو أن ماسك أغفل هذا الانقسام حين كتب عن حاجة الولايات المتحدة إلى حزب يعبر عن الطبقة الوسطي، وتخيل أن %80 من الأمريكيين يمكن أن يساندوه. لا يُعرف على وجه التحديد من أين أتى ماسك بفكرة هذا الحزب. فلا يوجد فى العالم اليوم، ولا فى الأمس، حزب يضم الطبقة الوسطى بقضها وقضيضها. لم يحدث هذا، ولا يمكن أن يحدث فى أى بلد. فالطبقة الوسطى هى أكثر الطبقات عددًا فى أى مجتمع. ينطبق ذلك أيضًا على المجتمعات التى يرى البعض أن الطبقة الوسطى فيها تضمر. وتضم هذه الطبقة اتجاهات وتيارات وأذواقًا كثيرة يتعذر جمعها فى كيان واحد سواء كان حزبًا سياسيًا أو غيره. فيها محافظون وليبراليون، ومتدينون ومُلحدون. وهى وعاء شديد الاتساع يجمع المهنيين من كل حدب وصوب، والموظفين فى القطاع العام والخاص. كما أنها ليست فى الواقع طبقة واحدة، بل ثلاث طبقات على الأقل، تقترب مستويات المعيشة فى إحداها من الفئات الدنيا فى المجتمع، وفى ثانية من الطبقة العليا.
وفى الولايات المتحدة يحظى الحزبان الكبيران بتأييد أغلب أبناء الطبقة، أو الطبقات الوسطي. والأهم من ذلك أن الكثير منهم متعصبون بدرجات متفاوتة لهذين الحزبين أو لمواقف يتبناها هذا أو ذاك منهم. وهذه إحدى سمات الانقسام السياسي-المجتمعى العميق. وما الأغلبية التى كتب ماسك أنها ستنضم إلى حزب الطبقة الوسطى إلا نتاج خيال خصب. يوجد فى الولايات المتحدة الآن بضعة مئات من الأحزاب الصغيرة والمتناهية الصغر، التى توجد فى ولاية واحدة أو أكثر. ولم ينجح أى منها فى أن يُكوّن حزبًا ثالثًا قادرًا على منافسة مرشحى الحزبين الجمهورى والديمقراطي.