بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تراجع مبادئ الديمقراطية ظاهرة عامة فى الدول الغربية التى كان بعضها يعتبر قلاعًا للحرية. ولكن هذا التراجع يتفاوت من دولة إلى أخرى. وربما تصبح الولايات المتحدة بعد أربع سنوات الأكثر تراجعًا إذا واصلت الإدارة الحالية فيها السياسات التى بدأتها. ورغم أن هذا التراجع يشمل فرنسا أيضًا، فالأرجح أن يكون مستوى الحرية فيها أعلى من الولايات المتحدة بعد هذه السنوات الأربع انطلاقًا من المعطيات الراهنة وبناء عليها. وفى هذه الحالة ألا يحق لفرنسا أن تطلب إعادة تمثال الحرية المنصوب فى الولايات المتحدة إليها؟ فهذا التمثال صُنع فى فرنسا بواسطة المهندس والنحات فريدريك بارتولدى، وقدمه الإمبراطور لويس بونابرت (نابليون الثالث) إلى الولايات المتحدة كهدية تذكارية عام 1885 فى مناسبة الذكرى المئوية الأولى لإعلان الاستقلال الأمريكى. ونُصب هذا التمثال، المصنوع من الصلب والنحاس والجرانيت، عند خليج نيويورك، واكتسب شهرة عالمية أتاحت لإدارات أمريكية عدة استغلاله ضمن حملات ترويج زُعِم فيها أن الولايات المتحدة هى قلعة الحرية فى العالم. وربما كان لهذه السردية ما يبررها بدرجة أو بأخرى فى مراحل سابقة. ولكن هذا المبرر أخذ فى التراجع تدريجيًا فى العقود الأخيرة، ولكنه لم يصبح مهددًا فى أى وقت بالمقدار الذى بلغه فى الوقت الراهن. وإذا استمرت سياسات الإدارة الحالية قد لا يبقى بعد أربع سنوات ما يمت بصلة إلى رمزية تمثال الحرية. فالتمثال يرمز إلى امرأة تحررت من قيود الطغيان وألقتها عند أحد قدميها، وتحمل فى يدها اليمنى مشعلا يرمز للحرية التى تضيء طريق العالم، وفى يدها اليسرى كتابًا نُقش عليه بحروف لاتينية تاريخ إعلان الاستقلال الأمريكى وهو 4 يوليو 1776. ولكن هذا النقش لا يمنع نقل تمثال الحرية إلى فرنسا، يمكن لنحاتين بارعين أن يجدوا طريقةً لتغيير التاريخ المنقوش عليه إلى 14 يوليو 1789 تاريخ اندلاع الثورة الفرنسية، وهو نفسه اليوم الوطنى لفرنسا. فالمانع الأساسى والأهم هو أن طلب نقل التمثال يقتضى وجود حكومة فرنسية قوية تستلهم الإرث الديجولى، وتعمل أولا لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وتسعى للاستقلال عنها.