بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ربما لا يُصدق كُثُر أن يصبح بائع للصحف صحفيًا كبيرًا لامعًا، بل صاحب صحيفة ومؤسس مدرسة صحفية متميزة، ويصير فى الوقت نفسه سياسيًا يتولى مناصب وزارية. ولكن هذا هو ملخص سيرة حياة الصحفى اللبنانى الكبير جبران توينى «الجد تمييزًا له عن حفيده جبران غسان توينى».
كان توينى نموذجًا للعصاميين الذين يشقون طريقهم وسط الصخور وفى قلب الأنواء. بدأ حياته بائعًا للصحف وعاملاً متخصصًا فى رص الحروف فى بعض المطابع. وصار صاحب أكبر صحيفة لبنانية، وأحد أكبر الصحف العربية, وهى صحيفة النهار.
عاش توينى نحو عشر سنوات فى مصر (1913-1923) قبل أن يعود إلى بيروت، حيث أسهم أولاً فى تأسيس صحيفة «الأحرار» التى كانت فى حينها فتحًا فى مجال صحافة الموقف فى العالم العربى. فقد انحازت إلى حركات التحرر فى المنطقة، ومن بينها ثورة سلطان باشا الأطرش فى سوريا، الأمر الذى أدخلها فى مواجهة ضد سلطة الانتداب الاستعمارى الفرنسى.
وعندما أسَّس صحيفة النهار، وأصدر عددها الأول فى 4 أغسطس 1933، صارت ثانى مدرسة صحفية عربية كبيرة بعد مدرسة «الأهرام». وذاع صيت «النهار» بفضل السياسة التحريرية التى وضعها وطوَّرها وجدَّدها كلما تطلب الأمر ذلك. وأسهمت أفكاره الجريئة فى انتشار «النهار» على المستوى العربى، وإن كان فى بعضها شطط فى رأى البعض مثل فكرة إصدار عدد كامل بصفحات بيض عام 2011 كتعبير عن الاحتجاج على الوضع السياسى فى لبنان.
ولم يكن توينى صحفيًا فقط, فقد تولى وزارة المعارف فى لبنان، وأنشأ البكالوريا اللبنانية التى اقترن اسمه بها. وتباينت مواقفه تجاه الحكومات اللبنانية. كما تولى مواقع دبلوماسية عدة منها على سبيل المثال موقع الوزير المفوضً للبنان فى الأرجنتين عام 1946، ثم فى شيلى حيث توفى فى 11 نوفمبر 1947 عقب حفل لتكريمه ألقى خلاله خطابًا أُصيب بعده بانفجار فى أحد أوعية المخ مما أدى إلى وفاته.