بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ظهرت كلمة «التطبيع» بدلالتها السياسية المعروفة عقب توقيع المعاهدة المصرية-الإسرائيلية فى مارس 1979. والأرجح أن الإسرائيليين هم أول من استخدمها سعيًا إلى استغلال المعاهدة فى بناء علاقات كاملة مع مصر فى مختلف المجالات. والأرجح أيضًا أن الكلمة لم تُستخدم قبل ذلك بهذا المعنى، الذى يشير إلى ما يعتبرها مستخدموه علاقات طبيعية. فعندما استخدمها المفكر الفرنسى ميشيل فوكو فى بعض كتاباته كان يقصد بها النموذج المثالى الذى يتوافق مع هدف معين، أو المعيار المحدد الذى يُقاس على أساسه ما يُعد طبيعيًا ومقبولا وما لا يعتبر كذلك.
وبغض النظر عما إذا كان من بدأوا باستخدام الكلمة كان لديهم علم بما طرحه فوكو من عدمه، فالمهم أنهم جعلوها هدفًا سعوا إليه عبر إقامة علاقات مع دول عربية أخرى. تعثرت محاولاتهم تلك لفترة طويلة بسبب سياساتهم العدوانية تجاه قضية فلسطين ورفضهم أى حل عادل، أو حتى نصف عادل، يُعيد للشعب الفلسطينى بعض حقوقه المسلوبة. فقد بقيت العلاقات مع مصر محدودة ومحصورة فى المستوى الرسمى, وعند الضرورة غالبًا، فيما أُطلق عليه «سلام بارد». وأخفقت محاولات إقامة علاقات مع دول عربية أخرى.
ولكن توقيع اتفاق أوسلو فى سبتمبر 1993 فتح أمامهم أبوابًا للنفاذ إلى العالم العربى، فوُقعت اتفاقية وادى عُربة مع الأردن فى العام التالى. ومع ذلك عادت محاولات التطبيع مع العرب إلى التعثر بعد ما تبين أن اتفاق أوسلو يجلب خسائر أكثر مما يحقق مكاسب. وبقى الوضع على هذا النحو إلى أن تمكن الرئيس الأمريكى ترامب فى فترته الأولى من إقناع ثلاث دول عربية أخرى بتوقيع اتفاقات أُطلق عليها «إبراهيمية». ولكن الأجواء فى المنطقة تغيرت بعد هجوم 7 أكتوبر وحرب الإبادة التى ترتبت عليه.
وواضح أنه ليس فى هذا المسار كله شىء طبيعى، مثله فى ذلك مثلما يحدث فى المنطقة فى الوقت الراهن. فما الطبيعى فى الإبادة الشاملة لقطاع غزة، والمقتلة المفتوحة فيه. والحال أنه لا شىء طبيعى فيما يُطلق عليه «تطبيع» كما فى الكيان الذى يريد فرض هذا التطبيع.