بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تحدث السيد عمرو موسى عن بعض كواليس خطاب الرئيس الراحل أنور السادات أمام الكنيست خلال حوار غنى أجرته معه إحدى الصحف العربية. وأجاب عن سؤال بشأن كتابة هذا الخطاب فقال إن موسى صبرى وأسامة الباز هما من كتباه. وهذا صحيح، ولكن سبقه طلب السادات من د. بطرس غالى أن يكتب الخطاب. وقد كتبه فعلا باللغة الإنجليزية. وكان خطابًا رصينًا كُتب بلغة أكاديمية واستند إلى أدلة قانونية وسوابق تاريخية. لم يكن هذا ما أراده السادات، بل كان خطابا شعبيا مفعما بالمشاعر. ولهذا لجأ إلى موسى صبرى. والأرجح أنه كتبه باللغة العربية ثم راجعه الباز ووضعه فى صورته النهائية.
كان صبرى قريبًا جدًا من السادات الذى عرفه منذ منتصف أربعينيات القرن الماضى. وقد أيده عن اقتناع ودعمه بحماس المؤمن بمواقف دافع عنها، وليس نفاقًا أو رياء. ويُعد كتابه «السادات .. الحقيقة والأسطورة» من أهم الكتب عن الرئيس الراحل.
ولذا فهم ما أراده السادات فى خطاب كان العالم كله ينتظره. خطاب يجمع بين السياسة والتاريخ والأديان. تقرأ فيه مثلا: «شاءت المقادير أن تأتى رحلتى إليكم، رحلة السلام، فى العيد الإسلامى الكبير، عيد الأضحى المبارك، عيد التضحية والفداء، حين أسلم إبراهيم عليه السلام جد العرب واليهود. ولعل هذه الصدفة تحمل معنى جديدًا فى نفوسنا جميعًا، لعله يصبح أملا فى تباشير الأمن والأمان والسلام». كما تخللت الخطاب اقتباسات دينية مثل: لماذا لا نردد معًا من مزامير داود النبى: «إليك يارب، أصرخ.. اسمع صوت تضرعى إذا استغثت بك.. أطلب السلامة وأسعى إليها».
كما تخلله مزج بين السياسى والمقدس، كما فى الإشارة إلى أن «أرضنا لا تقبل المساومة.. والتراب الوطنى والقومى يعتبر لدينا فى منزلة الوادى المقدس طُوى الذى كلم الله فيه موسى عليه السلام ..».
وهكذا اختار السادات الخطاب الذى يجمع بين العاطفة والعقل بدل خطاب بطرس غالى. وربما كان هذا الاختيار بداية مسار تفاوضى حصل فيه السادات على أقل مما كان ممكنًا لو أُحسِن استثمار نصر أكتوبر العظيم الذى أتاح له التفاوض من موقع قوة.