بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
«رجل صفقات»، هكذا يوصف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وصف شائع يُرَدِده كُثر فى أنحاء العالم، وتصحبه توقعات بأن تحفل فترته الرئاسية الثانية بصفقات اقتصادية وسياسية شتى. ولكن ترامب فاجأ الجميع بإطلاق حرب تجارية شاملة هزت أسواق المال الكبرى فى العالم بعد إعلانه زيادة الرسوم الجمركية على واردات الولايات المتحدة من معظم الدول. وليس واضحًا بعد هل قرر تأجيل فرض معظم هذه الرسوم لمدة 90 يومًا سعيًا لعقد صفقات، أم أنه يريد إعطاء الأسواق الأمريكية فرصة للتكيف . وأيًا يكن الأمر فمنطق الحرب التجارية يتعارض مع مفهوم الصفقة. فمن شأن هذه الحرب أن تُضعف حركة التجارة فى العالم وتقلل معدلات انتقال السلع والخدمات عبر الحدود، فتقل بالتالى فرص عقد صفقات تجارية واقتصادية بوجه عام.التجارة هى أصل الاقتصاد فى التاريخ. بدأت فى صورتها البدائية فى صورة مقايضات بسيطة وعشوائية حين كان الكائن البشرى حرًا طليقًا قبل أن تُعرف المجتمعات المنظمة. ونُظمت التجارة بعد ذلك، وصارت أحد نشاطين رئيسيين للبشر إلى جانب الزراعة حين اهتدى البشر إليها. ومن خلال التجارة عرف الناس بعضهم البعض طوال المرحلة التى كانوا فيها مزارعين وتجارًا. وتطورت التجارة تدريجيًا وتوسعت، ودخلت مرحلة أكثر تطورًا بعد الكشوف الجغرافية، وبدأت ملامح الرأسمالية التجارية الحديثة فى الظهور. وأسهم تطورها فى عملية الانتقال التاريخى إلى الصناعة وثورتها الأولى. وتنامت بعد ذلك بالتوازى مع تقدم الصناعة وازدياد السلع المطلوب بيعها فى الأسواق الداخلية والخارجية، وكثرت بالتالى الصفقات وأخذت أشكالا مختلفة ومتجددة وصولا إلى التجارة الإلكترونية لاحقًا. ازدهار التجارة، إذن، هو الذى يوفر ظروفًا مناسبة لعقد صفقات، والعكس صحيح فى الأغلب الأعم. فالصفقات تقل بمقدار ما تُفرض قيود على التجارة. والسؤال هنا هو كيف يكون ترامب رجل صفقات وهو الذى تُضعف سياساته فرص عقدها،؟ ثم أين العلاقات الدالة على أنه رجل صفقات فى ظل عجزه عن إحراز تقدم لوقف حربى أوكرانيا وغزة، وتردده فى المفاوضات مع إيران، وإفراطه فى اللجوء إلى التهديد والوعيد أكثر من المساومة التى يتعذر فى غيابها عقد صفقات؟