بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كثر الحديث عن حُكم الأوليجاركية فى الولايات المتحدة منذ أن حذر منه الرئيس السابق جو بايدن فى خطابه الوداعى يوم 16 يناير الماضى. قال إن بلاده تواجه خطر تركز السلطة فى أيدى حفنة من فاحشى الثراء أو الأوليجاركية. وشاع بعد ذلك الحديث عن الأوليجاركية باعتبارها مرادفة لحُكم أكثر الأثرياء ثراءً رغم عدم دقته. فمصطلح الأوليجاركية المشتق من كلمة يونانية استُخدم فى اليونان القديمة للتعبير عن سيطرة مجموعة صغيرة على السلطة. فهو يعنى حكم القلة بوجه عام وأيًا كان تكوينها، سواء كان المال هو مصدر قوتها ونفوذها أو غيره.
وقد استُخدم المصطلح فى علم الاجتماع منذ نشأته بهذا المعنى الواسع، وليس بمعنى القلة الثرية فقط. ويُستخدم مصطلح الأوليجاركية فى كثير من الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهذا المعنى، ونُشر بعضها فى كتب ذاع صيت غير قليل منها. وأذكر منها على سبيل المثال الكتاب العُمدة لعالم الاجتماع الإيطالى روبرتا ميتثلز الصادر عام 1911: «الأحزاب السياسية – القانون الحديدى لحكم الأوليجاركية». فقد سعى ميتثلز لإثبات أن حكم القلة لا مفر منه فى أى منظمة سياسية مهما ادعت أنها ديمقراطية. وكذلك فعل عالم الاجتماع الفرنسى موريس ديفرجيه فى كتابه الذى صدر عام 1951 وصار من أعمدة المعرفة فى مجال الأحزاب السياسية.
لا يعبر مصطلح الأوليجاركية إذن عن سلطة فاحشى الثراء فقط، بل عن حكم أى قلة مهيمنة. وحكم القلة هذا هو المفهوم المركزى فى نظريات النخبة التى جادل روادها وأنصارها ضد النظرية الديمقراطية لعقود طويلة.
وإذا أردنا مصطلحًا يونانيًا قديمًا يعبر عن حكم فاحشى الثراء دون غيرهم فهو البلوتوقراطية. وقد استُخدم هذا المصطلح للتعبير عن نوع الحكم فى بعض المدن اليونانية القديمة ثم فى الإمارات الإيطالية وغيرها. وكان الرئيس السابق للاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بول فولكر أكثر دقة من بايدن عندما نبه فى أكتوبر 2018 إلى أن الولايات المتحدة فى طريقها إلى حكم البلوتوقراطية.
ولكن المفكر الأمريكى نعوم تشومسكى يذهب إلى مدى أبعد. فالولايات المتحدة, فى تصوره, ترزح فعلاً تحت حكم البلوتوقراطية منذ وقت طويل