بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
الفردية تعنى الأنانية وإيثار الذات. هذا فهم شائع يُبعد الفردية عن معناها الفلسفى. فالفردية مبدأ حديث يقوم على أن للإنسان الفرد مجالاً أو حيزًا خاصًا ينبغى أن يتمتع فيه باستقلاله وأن تتوافر الضمانات اللازمة لاحترامه ومنع أى تدخل فيه بغير سند من القانون الذى يحدد الحالات التى يجوز فيها هذا التدخل باعتباره استثناء. فلا يجوز للحكومة، أو أية سلطة عامة، التدخل فى حياة الأفراد الخاصة على أى نحو بدءًا من اختيار مأكلهم ومشربهم وملبسهم، ووصولاً إلى أفكارهم مرورًا بكل ما تشمله حياتهم الخاصة من تفاصيل كبرت أو صغرت.
ووفقًا لهذا المبدأ لا تستقيم الحرية بدون مجال أو حيز خاص لكل فرد لا يستطيع أحد اقتحامه دون إذن. وعلى المُشرَّع أن يحمى هذا المجال أو الحيز الخاص، ويمنع أى اعتداء أو تعد عليه. وهذا هو ما يُعرف أيضًا باحترام الخصوصية.
لم يعرف الفكر الإنسانى اهتمامًا بهذه المسألة قبل القرن السابع عشر. وقد بدأ هذا الاهتمام فى بعض كتابات مفكرين مثل جون لوك وجيمس ميل فى سياق أفكار أخرى طرحوها إلى أن بلورها بنيامين كونستان «1767-1830» فى كتابه «حرية القدماء مقارنة بحرية المعاصرين» الصادر فى بداية القرن التاسع عشر (1819). وعند كونستان أن الفردية هى أهم الحريات الحديثة التى لم تعرفها البشرية ولم يهتم بها الفكر الإنسانى إلا فى العصر الحديث.
ويقوم مبدأ الفردية على أن الإنسان كائن عاقل، وبالتالى قادر على اختيار كل ما يتعلق بحياته الخاصة ومستقبله وفق ما يهديه إليه عقله ويسفر عنه تفكيره. فهو يسعى إلى تحقيق ذاته بالطريقة التى يراها مناسبة له بغض النظر عن رغبات الآخرين. وهو أيضًا مسئول عن اختياراته وتصرفاته وعن نجاحه أو فشله فى تحقيق أهدافه التى يختارها. كما أنه، وهو يفعل هذا كله، يسهم فى بناء مجتمعه وتطويره.
ويختلف مبدأ الفردية، كما هو واضح، عن مفهوم الأنانية الذى يعنى الاستغراق فى تفضيل الذات والتصرف بطرق قد تؤذى آخرين أو تحول دون تقديم مساعدة لهم.