بقلم : د.أسامة الغزالي حرب
من حسن حظى، أننى تعرفت مبكرا للغاية على الحضارة المصرية القديمة، من خلال قراءتى المبكرة، فى مكتبة والدى بمنزلنا فى شبرا، فى أثناء الإجازة الصيفية بالمرحلة الثانوية، لكتاب رائع كان فى مقدمة الكتب التى تأثرت بها بشدة، وأسهمت فى تكوينى الثقافى المبكر! إنه كتاب «فجر الضمير» لمؤلف أمريكى كبير، من أشهر علماء المصريات والآثارهو جيمس هنرى بريستد، ترجمه إلى العربية عالم الآثار المصرى العظيم «سليم حسن» (وابتداء فإننى أتصور أن أعمال كلا الرجلين لا بد وأن تكون على رأس ما يقرأه أو يتعلمه،أى باحث فى التاريخ المصرى القديم أوالآثار المصرية)! المهم..، أن من أجمل ماقرأته وتأثرت به فى ذلك الكتاب، هو نص دعاء أو دفاع الميت عن نفسه، الذى سماه الباحثون «كتاب الموتى» (الذى لاتزال نسخة منه محفوظة بالمتحف البريطانى)، والذى يقول فيه الميت مخاطبا «الإله.. السلام عليك أيها الإله الأعظم، إله الحق!.....إننى لم أظلم أحدا، ولم أسلك طريق الضلال، لم أحنث فى يمين، ولم تضللنى الشهوة فتمتد عينى لزوجة أحد من رحمى، ولم تمتد يدى لمال غيرى، ولم أكن كاذبا، ولم أكن عصيا لك. لم أسع للإيقاع بعبد عند سيده، إننى يا إلهى لم أتسبب فى جوع أحد، ولا فى بكاء أحد. ماقتلت، وما غدرت، وما كنت محرضا على قتل أحد. إنى لم أسرق من المعابد خبزها، ولم أرتكب الفاحشة، ولم أدنس شيئا مقدسا، لم أغتصب مالا حراما، ولم أنتهك حرمة الأموات. لم أبع قمحا بثمن باهظ، ولم أغش فى الميزان. لم أحرم الماشية من عشبها، لم أنصب الفخاخ لعصافير الإله،.. لم أمنع المياه فى موسمها، لم أقم سدا أو حائلا دون المياه الجارية، ولم ألوث ماء النهر..لم أطفئ نارا مشتعلة. أنا طاهر، طاهر، طاهر». ويرى الباحثون أن نص كتاب الموتى أخذ يكتب على ورق البردى، ويوضع بجوار المومياء فى داخل التابوت فى عصر الدولتين، الوسطى والحديثة. تلك ليست سوى «نقطة صغيرة» فى محيط الحضارة الفرعونية العظيمة، ومبروك لنا جميعا افتتاح المتحف المصرى الكبير!..