بقلم : عمرو الشوبكي
احتفل المغاربة بإصدار مجلس الأمن قرارا يعتمد المشروع المغربى للحكم الذاتى للصحراء، وهو المطلب الذى ظلت المغرب متمسكة به منذ عقود طويلة دون أن تتورط فى مواجهة عسكرية شاملة مع الانفصاليين فى الصحراء المغربية، وظل حضورها الثقافى وتواجدها السياسى يتمدد فى الصحراء المغربية حتى اختارت التوقيت المناسب لتقديم مشروعها للحكم الذاتى، بعد تحركات دبلوماسية نشطة نجحت فى إقناع الولايات المتحدة والدول الكبرى بأن الصحراء أرض مغربية ويجب أن تعود سيادتها عليها.
وقد اعتمدت الدول الأعضاء فى مجلس الأمن المشروع المغربى، وأعلنت الرباط بعدها أنها تنوى تقديم خطة تفصيلية لإدارة الحكم الذاتى فى الصحراء، وعرفت نفس المدن المغربية التى شهدت الشهر الماضى احتجاجات واسعة احتفالات وأفراحا عارمة بعودة الصحراء إلى السيادة المغربية.
احتفالات المغرب الشعبية بهذا القرار الأممى ونزول مئات الآلاف إلى الشوارع فرحًا وابتهاجًا لم تكن ستحدث لولا تعامل السلطات المغربية بحكمة واستيعاب مع احتجاجات المغرب السلمية التى طالبت بمحاربة الفساد (الشعب يريد إسقاط الفساد) وضرورة زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم.
إن أهم ما يميز احتجاجات المغرب السياسية أنها «احتجاجات آمنة» نتيجة وجود هامش ديمقراطى حقيقى، خاصة منذ اعتلاء الملك محمد السادس حكم البلاد، فقد عرفت البلاد دستورا جديدا- وُضع فى ٢٠١١- أكثر ديمقراطية وانفتاحا من الدساتير المغربية السابقة.
وقد سمح هذا الدستور بحدوث عملية تداول سلمى للسلطة على أرضية النظام الملكى من خلال الانتخابات التشريعية، أسهمت فى تجديد النخبة الحكومية التى تشارك فى حكم وإدارة البلاد تحت السلطة الملكية، مما جعل هناك عملية سياسية حقيقية قادرة على جذب قطاع واسع من الشعب المغربى. هذا النوع من الانتخابات السياسية الحقيقية الذى يعرف «تداولا آمنا» للسلطة وتجديدا للنخبة يعرف أيضًا «احتجاجات آمنة» لا تطالب بإسقاط النظام، خاصة إذا كانت السلطة الأساسية فى يد نظام ملكى قديم وراسخ منذ مئات السنين ولديه شرعية لدى الشعب المغربى.
إن التغيير يحدث فى المغرب دون صخب أو تحولات جذرية لأنه محكوم بسلطة مدنية لديها شرعية وهذا على خلاف نظم أخرى لا تعرف أى نمط من الانتخابات التنافسية ولا تداول لأى سلطة سواء فى الحكومة أو البلديات، مما يجعل أى احتجاجات فيها تحمل مخاطر كبيرة من الانزلاق ليس فقط نحو العنف إنما أيضًا نحو إسقاط النظام والدخول فى مخاطر الفوضى والانقسام المجتمعى. لقد أدى وجود سلطة سياسية مدنية تتبنى الحوار مع الشعب بما فيه الفئات المحتجة والشبابية إلى دعم شرعية النظام السياسى وجعل المجتمع الذى دعم جانب منه احتجاجات الشباب يعود بكل فئاته، ويختار أن يحتفل بنصر وطنى حقيقى بعودة السيادة المغربية على الصحراء، ويردد، كما يقال فى المغرب: «ونموت على بلاد والدى».