بقلم : عمرو الشوبكي
قضية الحرب والسلام ليست مطروحة فقط فى منطقتنا العربية، إنما هى قضية عالمية لفت نظرنا لها الكاتب الروسى العالمى تولستوى فى روايته الرائعة «الحرب والسلام» التى صدرت أول مرة فى ١٨٦٩ وصار بعدها هذا التعبير يستخدم تقريبا فى كل مكان فى العالم.
ولأن العالم العربى شهد العديد من الحروب مع إسرائيل وأحيانا مع دول أخرى وأحيانا ثالثة حروبا داخلية وشهد معها تسويات سلمية، فإن هناك مناطق أخرى من العالم شهدت حروبا غير معتادة منذ الحرب العالمية الثانية مثل الحرب الروسية الأوكرانية التى فتحت باب التساؤلات حول مستقبل السلام فى هذه البقعة الهامة من العالم وأيضا مستقبل العلاقات الأوربية الروسية.
الحقيقة أن هذه الأسئلة دارت فى ذهنى أثناء مشاركتى فى مؤتمرين فى كييف بالعاصمة الأوكرانية (أشرت لتفاصيل الرحلة فى تقرير منشور أمس بالمصرى اليوم) وكيف استمرت هذه الحرب نحو ٤ سنوات وما هى مخاوف الجانب الأوكرانى من روسيا وهل يمكن على ضوء مبادرة الرئيس ترامب ذات الـ ٢٧ نقطة أن يحل هذا الصراع؟ والتى قال الرئيس الروسى عنها إنها قسمت إلى أربع نقاط رئيسية جار العمل عليها من أجل التوصل لتسوية سلمية.
والحقيقة أن صعوبة الوضع الحالى إن أوكرانيا دفعت ثمنا باهظا فى الأرواح والعتاد لصد الهجوم الروسى وظلت حتى فترة قريبة تتصور إنها قادرة على تحرير الأراضى التى سيطرت عليها موسكو فى إقليم «الدونباس»، وهو ما عجزت عنه رغم الدعم الأوربى والفرنسى الكبير، وبات من الواضح أن خطة ترامب تقوم على التنازل عن هذه الأراضى لصالح روسيا مقابل ضمانات صارمة ستحصل عليها أمريكا والعالم من روسيا لضمان عدم تكرار هجومها مرة أخرى.
مهما كانت المبررات الروسية لضم هذه الأراضى فإنه لا يمكن القبول وفق القانون الدولى بضم أى أراض بالقوة وهو مبدأ يجب أن يطبق على الجميع من إسرائيل حتى روسيا إلى أى مكان فى العالم.
ومع ذلك فإن انطباعى أن الجانب الأوربى والأوكرانى بات مقتنعا بأنه لا بد من تقديم تنازلات تتعلق بالأرض، ولكن فى نفس الوقت هناك قناعة إنه لا يجب أن تكون هذه التنازلات بدون مقابل وضمانات بعدم تكرار الهجمات الروسية.
صحيح أن نقاشاتى مع دبلوماسيين أوربيين وخاصة فرنسيين حول إن أوربا اعتادت أن تكون «طرف معتدلا» فى مواقفها ودورها دائما اقتصادى وسياسى، ولكن هذه المرة اتخذت موقفا متشددا تجاه روسيا ودعمت أوكرانيا عسكريا بصورة ساعدتها على الصمود فى وجه القوات الروسية؟ والحقيقة أن الرد كان أن روسيا باتت تهدد أمن أوربا القومى، وإن هناك حرصا على إقامة علاقات طبيعية معها «إذا توقفت عن تهديدنا».
لقد اقتربت لحظة السلام وتسوية صراع خلف مئات الآلاف من الضحايا ويحتاج تنازلات قاسية وضمانات صارمة لكى يترسخ.