بقلم : عمرو الشوبكي
كثيرة خناقات ترامب مع من عملوا معه أو كانوا جزءا من إدارته، وآخرها تلك «الخناقة» التى جرت مع الملياردير «إيلون ماسك» الذى قضى سنوات قريبًا منه وفى العام الأخيرة كان أحد أركان حملته الانتخابية ثم أصبح جزءا من إداراته بعد أن تولى إدارة هيئة للكفاءة للحكومية التى سرحت آلاف العاملين تحت حجة ترشيد الإنفاق.
والحقيقة أننا اعتدنا أن نرى مع ترامب حلفاء وأصدقاء وداعمين يغدق عليهم بأشعار ومديح ثم فجأة تتوتر العلاقة وتتحول غالبا إلى علاقة عدائية، وما جرى مع ماسك هو نموذج صارخ لهذه التحولات، فقد نال الرجل قسطا غير مسبوق من جمل الإطراء وتحدث ترامب عن عبقريته وعمل له حفل وداع فى البيت الأبيض، وفجأة انهار كل شىء ودخل الرجلان فى سجال عنيف.
صحيح أن أمريكا بلد ديمقراطى ولن يذهب ماسك ولا غيره «وراء الشمس» إذا اختلفوا معه، إلا أن دلالة هذه التحولات كثيرة خاصة أنها لم تحدث مع رؤساء أمريكا السابقين بهذا الشكل الميلودرامى، فقد كانت هناك خلافات بين أشخاص عملوا فى إدارات سابقة مع الرؤساء، ولكنها لم تكن بهذا الكم وبهذا التكرار.
ما جاء فى الصحف الأمريكية عن خناقة ترامب مع ماسك أو بالأحرى عن أسباب انهيارها، إنه يرجع لوصف ماسك لمشروع ترامب المحلى بإلغاء الإعفاء الضريبى البالغ 7500 دولار على شراء السيارات الكهربائية، بأنه «فظاعة مقززة»، لأنه قد يكلف تسلا خسائر تقدر بأكثر من 1.2 مليار دولار سنويًا.
من الوارد أن تتعارض المصالح بين الحلفاء والأصدقاء وتتغير شكل العلاقة بينهم، لكن اللافت هو هذا التحول المفاجئ وتحولها إلى علاقة عدائية، خاصة أن ترامب ينطلق من مدى حب الأشخاص له وتغنيهم بخصاله الاستثنائية وعبقريته، وحتى حين أشار إلى خلافه مع ماسك قال إنه تكلم بشكل إيجابى عن شخصى ولكنه اختلف مع القانون رغم أنه لم يعترض عليه من قبل.
أما إيلون ماسك فقد ركز هجومه على القانون وانتقد بشدة المشرعين الذين دعموه فى الكونجرس وقال لهم: «أنتم تعلمون أنكم ارتكبتم خطأ»، وهنا دخل فى صدام مزدوج مع ترامب الذى يمزج بين الولاء السياسى والمصالح الاقتصادية.
شخصية ترامب فريدة من نوعها فيها نرجسية وفردية وديكتاتورية كثير من زعماء العالم الثالث، ولذا فإن التقلبات التى تعرفها عادة ما تكون حادة وما جرى مع ماسك نموذج لذلك، فالرجل قبل أسابيع قليلة كان يحكى كيف كان ينام فى غرف البيت الأبيض وكيف كان يأكل «الآيس كريم» فى المكتب البيضاوى قبل أن يتغير كل شىء.
الظاهرة الترامبية فى أمريكا موجودة فى دولة مؤسسات وقانون قادرة على أن تحد من شططها، وتهذب جوانب كثيرة فيها بل وتردعها حين تتجاوز الحدود، وهو ليس الحال فى كل التجارب.