بقلم : عمرو الشوبكي
الطريقة التى استقبل بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب زعيم أقوى اقتصاد فى أوروبا، وهو المستشار الألمانى «فريدريش ميرتس»، تختلف تمامًا عن الطريقة التى استقبل بها رئيس بلد ضعيف ومنكسر ويعانى من حرب شرسة، وهو الرئيس الأوكرانى «زيلينسكى».
فقد حمل المستشار الألمانى شهادة ميلاد لجد ترامب الألمانى أثناء استقباله له، فى رسالة تقول له إن أصوله كما هى أصول معظم الأمريكيين أوروبية، وربما عليه أن يكون أكثر اعتدالًا فى موقفه من الاتحاد الأوروبى، أما رد فعل الرئيس الأمريكى فكان مرحبًا، وقال إنه «تشرف بهذه الهدية»، وتعامل باحترام شديد مع المستشار الألمانى.
والحقيقة أن ترامب تعامل مع كل الدول القوية، وإن اختلف معها، باحترام شديد، فمن رئيس فرنسا إلى رئيس وزراء كندا تكررت نفس الطريقة رغم التباين العلنى فى وجهات النظر.
المقارنة بين السجال الذى جرى بين ترامب وماكرون، وما جرى بين الأول وزيلينسكى لافتة، فحين قال لنظيره الفرنسى إن أمريكا دفعت لأوكرانيا ٢٠٠ مليار دولار، على عكس أوروبا التى أقرضتها أموالًا ستأخذها بعدها، رد عليه الرئيس الفرنسى بحسم ووضوح قائلًا إن ٦٠٪ مما دفعته أوروبا لأوكرانيا لن يُرد، كما رد رئيس وزراء كندا بحسم على دعاوى الرئيس الأمريكى بضم كندا إلى الولايات الأمريكية، وقال له إن هناك أمورًا لا تُباع ولا تُشترى، وضرب له مثلًا بقصر «باكينجهام» الشهير، وقال له إنك كمطور عقارى لا يمكن أن تشترى هذا القصر لقيمته التاريخية.
كما أن دولة إفريقية مثل جنوب إفريقيا، رئيسها منتخب بشكل ديمقراطى، وتعتز بتاريخها الوطنى ونضالها ضد نظام الفصل العنصرى، رد رئيسها بحسم على دعاوى ترامب بأنها تمارس تطهيرًا عرقيًا ضد البيض.
إن ردود فعل كل هؤلاء الزعماء مع ترامب كانت معارضة بشكل واضح لآرائه، بل وقالوا عكسها واحترمهم ترامب لأنهم قادمون من بلدان قوية ديمقراطية، وهذا على خلاف حالة الرئيس الأوكرانى الذى حين اختلف قليلًا مع ترامب أو بالأحرى علق تعليقًا لم يكن على هواه افترسه وتبادل هو ونائبه توجيه اتهامات لاذعة له.
لم يعد ترامب يرى أن هناك قيمًا مشتركة تجمع أمريكا وأوروبا قائمة على الليبرالية وحرية التجارة ودولة القانون، كما أنه لا يرى إلا الأقوياء ولا يفهم إلا لغة الصفقات المالية الكبرى، ويمارس تنمرًا على الدول الأضعف، ويعتبر أن الربح أهم من أى تحالف استراتيجى.
ربما كان الغرض من هدية المستشار الألمانى لترامب (شهادة ميلاد جده الألمانى) أن تقول إن هناك روابط تاريخية يجب أن تضعها بعين الاعتبار دون أن يعنى ذلك التخلى عن المصالح المشتركة وسياسة الاعتماد المتبادل.
ترامب نموذج للرؤساء الذين يحترمون فقط الأقوياء ويتعاملون معهم برقة ودبلوماسية حتى تشعر أنك أمام رئيس آخر لا علاقة له بالرئيس الذى يستقبل من يعتبرهم ضعفاء.