بقلم : عمرو الشوبكي
قَبلت حماس الشهر الماضى مقترح الهدنة والصفقة الجزئية الذى اقترحه المبعوث الأمريكى «ويتكوف»، والذى فى جوهره مقترح إسرائيلى، ومع ذلك رفضته حكومة الاحتلال. ثم عاد الرئيس الأمريكى وصرح نهاية الأسبوع الماضى بأنه مع صفقة شاملة وعلى حماس أن تفرج عن جميع الأسرى وستتوقف الحرب، فوافقت حماس على ما قاله «ترامب»، ولكن إسرائيل قالت إنه خداع ومناورة لتبرير استمرارها فى الحرب وارتكاب المجازر.
والحقيقة أن السؤال المطروح هو: هل من نهاية لهذه الحرب؟ وهل ستتوقف قريباً؟ الإجابة بالقطع هى أنها ستتوقف عاجلاً أم آجلاً.
ولن ينجح نتنياهو فى تحقيق كامل أهدافه، حتى لو فكك تنظيم حماس واختفى سلاحه، واستُبعد من إدارة غزة، إلا أن الحركة ستبقى كأفراد متفرقين وقادرين على القيام بحرب عصابات ضد قوات الاحتلال، كما حدث فى كمين حى الزيتون نهاية الشهر الماضى.
سيعتبر نتنياهو أنه انتصر فى هذه الحرب لأنه قتل ٦٠ ألف فلسطينى معظمهم من المدنيين، وجوع وأصاب عشرات الآلاف، وربما سينجح فى وضع منطقة عازلة فى شمال غزة وسينقل سكانها للجنوب وسيحاول تهجيرهم خارج أرضهم، ولكنه لن يستطيع أن يتجاهل التحولات التى حدثت فى الرأى العام العالمى، وهذا الرفض العارم الذى وصل إلى قلب أهم مهرجانات السينما (الحفاوة التى استُقبل بها عرض فيلم «صوت هند رجب» فى مهرجان فينيسيا لها أكثر من دلالة) والمسابقات الرياضية والأنشطة السياحية، والتى باتت جميعها تزخر بمواطنين من كل الأجناس يقاومون الوجود الإسرائيلى ويعادونه.
سيضغط العالم على نتنياهو، وسيتملص كما حدث من قبل من أى اتفاق هدنة، ولكنه سيرضخ فى النهاية لضغوط الداخل الإسرائيلى والنخب السياسية التى تعارضه، ومعها ضغوط الخارج والمجتمع الدولى، وتيقنه أنه لكى يحقق أهدافه المعلنة من هذه الحرب يحتاج لإبادة مليون فلسطينى أو تهجيرهم ليقول إنه انتصر حقيقة فى حربه واجتث حماس وحرر الأسرى بالعمل العسكرى وهو «انتصار» لن يناله.
أوراق الضغط ستزداد فى الأسابيع القادمة على نتنياهو لأنها أصبحت تضم العالم كله فى مقابل أمريكا وإسرائيل، وهو تحول فى النظام الدولى الذى اعتاد أن يرى دعم الدول الأوروبية وأمريكا ومعهما كثير من دول العالم لإسرائيل، فى حين أن دعم القضية الفلسطينية كان من دول الكتلة الاشتراكية ومعها رفاقهم اليساريون فى أوروبا الغربية. أما الآن فبات من الصعب القول إن التحركات الأوروبية والأفريقية والعربية وعدد كبير من دول أمريكا الجنوبية وآسيا والأمين العام للأمم المتحدة الذى بُحَّ صوته فى إدانة المجازر، لن تسفر قريبًا عن وقف الحرب رغم أنف نتنياهو.
إن وقف حرب غزة سيفتح بابًا لمحاسبة الجميع، ولكن حساب من تعمَّد قتل المدنيين والأطفال وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتجويع سيكون حسابًا عسيرًا.