بقلم : عمرو الشوبكي
حين كتبت فى 17 فبراير الماضى مقالًا حمل نفس العنوان (استئناف العدوان) فقد توقعت أن اتفاق وقف إطلاق النار لن تحترمه إسرائيل وأنها ستعود لعدوانها على غزة مرة أخرى، لتعيد إلى الأذهان صور المشاهد المؤلمة التى تابعها العالم على مدار 15 شهرًا من قتل وتدمير وإبادة جماعية.
لقد ضربت دولة الاحتلال بعرض الحائط اتفاق وقف إطلاق النار الذى كان واضحًا أنها لن تلتزم ببنوده خاصة مرحلته الثانية وأنها ترغب فقط فى الإفراج عن أسراها مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين دون أى تعهد بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
عادت إسرائيل للعدوان بعد أن تأكدت أن ترامب أعطاها الضوء الأخضر دون أى قيود ولو محدودة كما فعلت إدارة بايدن، كما أنها تعلم جيدًا حجم الضعف العربى والدولى وعجز منظمات الأمم المتحدة والشرعية الدولية عن ردع إسرائيل أو محاسبتها على جرائمها المتتالية.
إسرائيل تعرف القدرات العربية العملية فى دعم القضية الفلسطينية وحدود تأثيرها الدولى، وتعرف أيضًا حجم مشاكلها الداخلية الاقتصادية والسياسية، التى تجعل قدرتها فى الضغط على دولة الاحتلال فى حدودها الدنيا مثلما تعرف إسرائيل قوة مصر ومكانتها على مر التاريخ.
دولة الاحتلال تعرف أنها الوحيدة فى العالم التى يمكنها أن تقتل الأطفال والنساء دون حساب، وتعرف جيدًا أوزان خصومها وقوتهم الحقيقية على الأرض، حتى لو رفعوا شعارات الرفض والإدانة لسياساتها وأطلقوا حملات إعلامية ضدها، ولكنهم «ساعة الجد» لا يرغبون فى إغضابها، وبناء على هذه الحسابات تمارس جرائمها منذ ما يقرب من عامين دون حساب أو قوة ردع.
استئناف العدوان الإسرائيلى جاء بعد أن ترسخت لدى دولة الاحتلال قناعة بأنها أصبحت دولة متجبرة فوق القانون والمحاسبة. فى مقابل ذلك فإن حماس أخطأت فى حساباتها وقراءتها للتحولات التى حدثت فى العالم بعد عودة ترامب للحكم، ولم تع وقع الاستعراض المسلح الذى أقامته أثناء عملية تبادل الأسرى على المزاج اليمينى المتطرف الحاكم والمسيطر فى إسرائيل والمدعوم أيضًا من يمينى متطرف آخر فى البيت الأبيض، مما ساعدهم على حسم قرار استئناف الحرب.
لم تكن تحتاج حماس أن تكتب على لافتة أنها ستكون حاضرة فى اليوم التالى لوقف الحرب، إنما تحتاج أن تجد صيغة جديدة تضمن لها حضورًا غير مباشر فى مسار اليوم التالى الذى توافق الجميع بمن فيهم حماس على أنها لن تكون جزءًا من إدارة غزة فى حال توقفت الحرب، فلِمَ الاستعراض وكتابة العكس على لافتة دعائية؟!
رغم الدور المصرى الكبير تستمر إسرائيل فى عدوانها بعد أن تأكدت من صمت البعض ودعم البعض، وأنها باتت قوة باطشة وصرنا نحتاج إلى معجزة لكى تتوقف آلة القتل الإسرائيلية، وأصبحت حماس مطالبة بأن تقدم مزيدًا من التنازلات المؤلمة وأخشى أن تضطر إلى الإفراج عن الرهائن دون أى ضمانات لوقف إطلاق النار.