كوريا الجنوبية ومصر  فرصة ضائعة

كوريا الجنوبية ومصر .. فرصة ضائعة

كوريا الجنوبية ومصر .. فرصة ضائعة

 العرب اليوم -

كوريا الجنوبية ومصر  فرصة ضائعة

بقلم : مصطفي الفقي

 ما أكثر ما أضاعت مصر عبر تاريخها الطويل من فرصٍ كان يمكن أن تسهم فى الارتقاء بمستوى معيشة المصريين وفتح آفاق أكثر رحابة لهم، ومازلت أتذكر من فترة عملى سكرتيرًا للمعلومات للرئيس الراحل مبارك - رحمه الله - أننا واجهنا فرصة ذهبية أفلتت من يدنا بسبب الحياء المصرى والوفاء لمن قدم للكنانة خيرًا فى لحظات عصيبة وأوقات صعبة، فقد أبلغت ذات مساء فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى بأن قنصل عام كوريا الجنوبية (ولم يكن لها تمثيل دبلوماسى على مستوى السفارة فى مصر ولا معظم الدول العربية والإفريقية اكتفاءً بتمثيل قنصلى محدود لرعاية بعض المصالح لأن معظم تلك الدول كانت تقيم علاقات دبلوماسية مع كوريا الشمالية وليست الجنوبية) قد طلب موعدًا عاجلاً للقائى لأنه يريد أن يوصل رسالة شفهية عاجلة للرئيس مبارك، وقد استقبلته صباح اليوم التالى وابتدر الحديث قائلاً إنه ذهب إلى الوزير حسب الله الكفراوى بشأن هذه الرسالة وهو الذى نصحه بأن يتصل بمكتب الرئيس للمعلومات كحل أسرع، وربما أكثر فاعلية بدلاً من الدوران بين الوزارات والمسئولين.

وقد اشتد تركيزى للحديث المثير من جانب المبعوث الكورى الجنوبى وبدأت أستمع إليه بشغف كبير، وتحدث الرجل عن أنه يعلم حجم مصر ومكانتها فى هذه المنطقة من العالم، وأنه يحمل رسميًا اقتراحًا من بلاده وقيادتها العليا بالشراكة فى واحدة من أكبر المشروعات فى القارة الإفريقية، وربما الشرق الأوسط كله، وهو ذلك الذى يتصل بالتدريب المهنى وإجادة الحرف المختلفة على أحدث الطرق مع تنوعها وتعدد أساليبها، وقدم لى يومها قائمة بأكثر من خمس وثلاثين حرفة يدوية ومهنة أساسية فى مجال الإعمار والبناء واللوازم المتصلة بها والمساعدة عليها من النجار المسلح حتى الوصول إلى الممرض المتخصص، ولما كنت مقتنعًا بأن الوقود المستمر للتنمية المستدامة هو ذلك النوع من الحرف والمهن، لذلك وجدتنى أتجاوب مع أفكاره لعلمى بخبرتهم فى هذه المجالات، فكوريا الجنوبية التى حاولت دراسة التجربة الناصرية فى منتصف القرن الماضى فى عصر الرئيس عبدالناصر هى جارة اليابان التى حاول حكامها الأوائل فى منتصف القرن التاسع عشر دراسة نتائج التجربة المصرية بعد محمد على، وقد استطرد المبعوث الكورى قائلاً: إننا نريد قطعة أرض واسعة ولتكن عدة آلاف من الأفدنة فى منطقة صحراوية قريبة من مصادر المياه لتأهيل العاملين فى الحرف المهنية الكبرى لخدمة أهداف الفكرة التنموية المشتركة، ثم أضاف إننا نرى أنه بعد سنوات معدودة سوف يكون فى مصر أكبر مركز عالمى للتدريب المهنى المعاصر والذى سوف يتمكن من تخريج الآلاف كل عام بعد ذلك ممن جرى إعدادهم على أعلى مستوى لخدمة فروع التنمية فى مختلف المجالات، ثم ابتسم المبعوث قائلاً: إن بلادى تعرض عليكم مع هذه الصفقة وتنفيذًا لهذه الفكرة نصف مليار دولار أمريكى من فائض الخزينة الكورية الجنوبية لخدمة تنفيذ هذا المشروع الضخم، وسوف نعتبره قرضًا بفائدة واحد من عشرة بالمائة لأن الدستور فى بلادنا يمنع تقديم معونات مادية بلا عائد، ويوافق على القروض فقط، وهنا قاطعته متسائلاً لماذا كل هذا مع مصر تحديدًا؟.

فأجابنى بصراحة ووضوح بأن بلاده تأمل فى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع مصر لأن ذلك سوف يكون بوابة الدخول لكثير من الدول العربية والإفريقية والاعتراف بها والتعامل معها، وقد استمعت إلى كل ما قال وسجلت ذلك فى محضر مكتوب وشكرته مع وعدٍ بأن أرد عليه خلال أيام قليلة، وجاءت فرصتى لعرض الموضوع على الرئيس مبارك فى اليوم التالى مباشرة، وشرحت له كل مادار بينى وبين القنصل العام الكورى الجنوبى والفوائد المتوقعة من هذا المشروع الكبير الذى يمهد لعملية غزو عمرانى واسعة من جانب مصر وكوريا الجنوبية لمعظم الدول الإفريقية والعربية، خصوصًا أن المبعوث الكورى قد أشار فى نهاية حديثه إلى أنهم يفعلون ذلك لأنهم يعلمون بأننا مقبولون عربيًا وأفريقيًا فى تعليم هذه المهن بحكم اتفاقنا مع شعوبها فى اللغة والدين ومعظم العادات والتقاليد، وعندما استمع الرئيس إلى الاقتراح كاملاً قال لي: إن هناك عقبة كبيرة لا أستطيع تجاوزها، فربما أنت لا تعلم أن كوريا الشمالية هى التى أمدتنا بقطع الغيار لطائراتنا فى حرب أكتوبر 1973 وكان ذلك عاملاً حاسمًا فى النتائج الإيجابية لتلك الحرب بالنسبة لنا، ولا يجوز أن نتخلى عنهم بعد هذا العطاء الضخم ومصر لا تنسى من يساعدها فى وقت الشدة، وذلك رغم أن الصين والاتحاد السوفيتى كانا قد تبادلا حينذاك البعثات الدبلوماسية مع العاصمة الكورية الجنوبية فى سول، وهكذا أسدل الستار على واحدٍ من الفرص الضائعة بسبب أخلاق أبناء الكنانة والوفاء المصرى فى كل الظروف وكل الأوقات.

arabstoday

GMT 04:30 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

كفى بُكاءً من الزيارة

GMT 04:29 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

لماذا سعت السعودية لرفع العقوبات؟

GMT 04:28 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

قد «أنطوان لحد» كمان وكمان!

GMT 01:44 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

بين دوايت ودونالد

GMT 01:43 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

الدين وأخلاق العمل والخير العام

GMT 01:41 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

القوة الخشنة تشيّع القوة الناعمة

GMT 01:40 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

ليو وأتيلا العصر الحديث

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كوريا الجنوبية ومصر  فرصة ضائعة كوريا الجنوبية ومصر  فرصة ضائعة



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:29 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

لماذا سعت السعودية لرفع العقوبات؟

GMT 06:22 2025 الخميس ,15 أيار / مايو

أخذ العلم بالتوازن الجديد في المنطقة

GMT 00:51 2025 الأربعاء ,14 أيار / مايو

إجراءات أمنية جديدة في مطار بيروت

GMT 06:09 2025 الخميس ,15 أيار / مايو

السعودية وأميركا... فرص العصر الذهبي

GMT 12:04 2025 الأربعاء ,14 أيار / مايو

زلزال بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر يضرب تونجا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab