بقلم : مصطفي الفقي
إنه رمز باقٍ يعتز به الوطن ويضعه فى مكانه اللائق سليلاً لأسرة عريقة من دلتا النيل قدمت للوطن شخصيات رائدة، منهم رئيسان للوزراء وعدد من الوزراء والشخصيات الدولية وذوى المكانة الرفيعة، ويكفى أن نتذكر أن تلك العائلة قدمت اثنين من الصف الأول لثوار يوليو ١٩٥٢، وهما خالد محيى الدين اليسارى الوطنى إلى جانب ابن عمه زكريا محيى الدين الذى ارتبط اسمه بالتوازن والتعقل وقوة الشخصية، ونعود الآن إلى بطل هذه السطور خالد محيى الدين اليسارى الوطنى الذى تفرد بموقف يحسب له إثر ثورة ٢٣ يوليو إذ اختط لنفسه طريقًا ينحاز للديمقراطية وينتصر للحريات ويسعى لحماية الفقراء والمعذبين فى أرض مصر.
ودفع الثمن غاليًا بنفى اختيارى وحرمان من مزايا نضاله السياسى ويكفى أن نقول هنا إنه العضو الوحيد من مجلس قيادة الثورة الذى لم ينل قلادة النيل أسوة بكل زملائه على نحو يعطيهم أسبقية بروتوكولية فى كل المناسبات، لذلك كان طبيعيًا أن يكون خالد محيى الدين عازفًا عن قبول الدعوات الرسمية لأن ترتيب الجلوس سوف يضعه فى حرجٍ لا مبرر له، ولقد عرفت ذلك العظيم عن قرب لخمس سنوات كان هو فيها عضوًا فى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصرى وكنت أنا رئيس اللجنة، وكنت أستحى كثيرًا أن يسبق اسمى اسم ذلك المناضل الوطنى الحر الذى يتمتع بدماثة فى الخلق ورقى فى التعامل والتفكير وثقافة عليا تستحق التأمل.
وما أكثر ما سمعته منه من ذكريات يوليو وما قبلها وما بعدها، حيث انحاز الرجل إلى قضايا الحريات العامة واختار طريقًا وطنيًا متفردًا بين أقرانه من ثوار يوليو، ولقد نبهنى الراحل الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق بأن السيد خالد محيى الدين لا يسافر فى وفود المجلس إلا إذا كان رئيس الوفد هو رئيس المجلس أو وكيله على الأقل وأن على أن أراعى ذلك، وعندما جاءت الدعوات لى لتشكيل وفدٍ للسفر إلى البرلمان الأوروبى فوجئت بالسيد خالد محيى الدين يقول لى إنه لا يمانع من المشاركة فى هذا الوفد فقلت له وأنا يسعدنى أن تكون رئيسه.
فقال لى كلا إن رئيس اللجنة وهو أنت سوف يبقى رئيس هذا الوفد وأنا عضو فيه وأشعر بسعادة لذلك، ولا شك أن العلاقة الشخصية التى كانت تربطنى بالسيد خالد محيى الدين، عليه رحمة الله، كانت سببًا مباشرًا فى هذه المبادرة الكريمة من جانبه والتى تكررت بعد ذلك فى عدة أسفار لمؤتمرات برلمانية دولية وإقليمية هامة، وكان الرجل- رغم سنه المتقدمة- إضافة رائعة للوفد أمام الوفود الأخرى التى تعرف من تاريخه ما يستحق الإجلال والإكبار، ويبدو أن الرئيس الراحل عبدالناصر كان محبًا للسيد خالد محيى الدين بوجه خاص ومقدرًا لتاريخه قبل الثورة وبعدها حتى إنه قيل إن عبد الناصر سمى ابنه الأكبر الدكتور المهندس خالد عبد الناصر تيمنًا بصداقته مع الثائر خالد محيى الدين الذى لعب دورًا حاسمًا فى أحداث السنوات الأولى للثورة والذى كرمه عبد الناصر دائمًا بمواقع إعلامية كما تعامل معه الرئيسان السادات ومبارك بتقدير خاص. وسوف تبقى مذكراته شاهدة على تاريخ وطنى نظيف لضابط مصرى مثقف ترك وراءه سمعة طيبة واسمًا شريفًا فى كل المواقف.