بقلم: مصطفي الفقي
إن معظم ما يثير القلق حولنا هو تلك الأمراض الأخلاقية التى وفدت على المجتمع المصرى فى العقود الأخيرة، ونالت إلى حد كبير من صورته التاريخية ومكانته التى كانت موضع إكبار وإعجاب دائمًا عبر السنين، وفى ظنى أن المسؤولية تقع فى النهاية على عدد من العوامل يجب أن نعترف بها بحيث نسعى إلى اقتلاع السلبيات من جذورها خصوصًا وأن حالة الانضباط فى الشارع المصرى ليست على النحو الذى نريده، فالخروج على القواعد وكسر القوانين والتلاعب بالمواقف والتصريحات قد أدت فى مجملها إلى نوعٍ من الانفلات الوقتى الذى يجب علاجه بشكل حاسم.
فعلى الرغم من اتساع الشوارع فى السنوات الأخيرة ووفرة الكبارى والجهود الضخمة التى بذلتها الحكومة فى هذا الشأن فإننا نرى أن قيادة السيارات خصوصًا بين الشبان هى مدعاة للتأمل، فالسرعات زائدة والهروب من الرادار أمر ممكن، وكثيرًا ما أسأل سائق سيارتى ونحن فى طريق العودة مساءً ما هذا الذى يحدث فيجيب فى بساطة إنه «سباق غرز» يقوم به السائق الشاب متجاوزًا السرعات المحددة ليسبق زميلاً له ضاربًا عرض الحائط بالجهود التى يبذلها رجال المرور دون جدوى أحيانًا، ورغم أن الدولة منضطبة سياسيًا إلا أنها ليست كذلك اجتماعيًا، فالصورة العامة توحى برغبة متأصلة فى خرق النظم وتجاوز السرعات والإفلات من رقابة الدولة مهما كانت محكمة.
ورغم الجهود المضنية التى يقوم بها رجال الشرطة صباح مساء فإن الخروقات تتزايد والتهرب من القانون وقواعده يستمر! والدولة المصرية دولة قديمة ليست عميقة فقط ولكنها أيضًا تجمع تراثًا متراكمًا من الأفكار والأحداث التى وقرت فى ضمير الأغلب الأعم من سواد الشعب بحكم عراقته التاريخية ومكانته التى يدركها الجميع، وفى ظنى أن الأمر يحتاج إلى النظر فى قضايا التربية والتعليم وتأهيل الشباب نفسيًا وتربويًا بحيث يصبح شريكًا فى اتخاذ القرار وليس فى تطبيقه فقط، والأمر هنا يحتاج إلى التركيز على التوعية من داخل الأسرة وفى نطاق المدرسة، فالسلوك الإنسانى لا يتم تقويمه إلا بجهود من علماء التربية والاجتماع ورموز المؤسسات الدينية.
وقد يستغرق ذلك الأمر وقتًا طويلاً بل ربما أجيالاً عدة ولكنه فى النهاية يؤتى ثماره ولو بعد حين، وأنا أتذكر فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى أن (كلاكسات) السيارات كانت تنشر نوعًا من التلوث السمعى بلا سبب ودون مبرر وتجعل الشوارع كأنها ملهاة أطفال يحملون صفافير تؤرق الغير ولا تفيد صاحبها، وقد لاحظنا أن ذلك الأمر أخذ فى التراجع وأن الدنيا تغيرت، ولى شخصيًا تجربة مع انضباط الشارع المصرى عندما عدت من الهند عام ١٩٨٣ بعد أربع سنوات فى دلهى العاصمة الأكثر ازدحامًا وأشد عبئًا، فوجدت الملصقات على السيارات فى القاهرة بعبارات إسلامية وأخرى مسيحية وكأن كل سيارة منها مسجد صغير أو كنيسة منفردة.
وتضامنت وقتها مع السياسى الراحل والوزير الأسبق مريت غالى وكتبنا رسالة مشتركة إلى وزير الداخلية حينذاك ليستخدم صلاحياته وفقًا لقانون المرور فى رفع تلك الملصقات التى قد تؤدى إلى فتنة طائفية عند أى صدامٍ بين سيارتين فى ظل المسميات الموجودة. كذلك فإننى أظن مخلصًا أن الدولة المنضبطة عسكريًا وسياسيًا لا بد أن تضع المجتمع كله على وقع الانضباط اللازم للشارع فى ظروفه المختلفة.