بضع ملاحظات لبنانيّة سريعة

بضع ملاحظات لبنانيّة سريعة

بضع ملاحظات لبنانيّة سريعة

 العرب اليوم -

بضع ملاحظات لبنانيّة سريعة

حازم صاغية

في معزل عن التفاصيل، وهي مهمّة حتماً، نجح شبّان الحراك اللبنانيّ وشابّاته في أن يظهّروا أفضل سمات لبنان وأحسن خصوصيّاته. فقد حافظوا على سلميّة رفيعة، لا تُذكر استثناءاتها التافهة، كما قطعوا الطريق، بإجماعهم على رفع العلم اللبنانيّ وحده، على ما تفبركه السلطات والمراجع الطائفيّة الحاكمة. وعلى بُعد مئات الكيلومترات فحسب من إسقاط البراميل الأسديّة، ومن سكاكين «داعش»، فرض شبّان لبنان على أجهزة القمع قمعاً لم يتأدّ عنه، على رغم بشاعته كأيّ قمع، سقوط قتيل واحد.

وبالقياس إلى تحرّك مطلبيّ آخر، عرفه ويعرفه العراق، انضوى في النشاط اللبنانيّ أفراد متعدّدو الطوائف، بينما اقتصر المثال العراقيّ على «البيت الشيعيّ»، في ظلّ إشراف السيستاني وتوجيهاته. وهذا فضلاً عن أعمال عنف واغتيال للناشطين لم يحصل مثلها في لبنان.

ومن دون أيّة عجرفة سقيمة، ممّا يُعرف به لبنانيّون كثيرون، تتأكّد، مرّةً أخرى، أهميّة الدور الذي اضطلعت به الحرّيّات في تاريخ لبنان الحديث، وما أتاحته من انفتاح على الغرب لم تُتحه أنظمة الاستبداد القوميّ لدى الجيران الأقلّ حظّاً. لكنّ المفارق أنّ هذا التظهير لأفضل ما في لبنان لم تُنجزه أحزاب الرومنطيقيّة والصوفيّة اللبنانيّتين، بل تُرك أمره لشبّان الحراك الآتين من مصادر أكثر جدّةً وتنوّعاً بلا قياس.

بيد أنّ ما أتاح للأمور أن تنحو هذا النحو هو تحرير المطلبيّ، ممثّلاً بموضوع النفايات، وربّما الكهرباء غداً، من الأدلجة والتسييس اللذين لا يستبطنان، في الحالة اللبنانيّة، إلاّ الطائفيّة والوفاء لعالم الحرب الأهليّة. فما هو مشرق ومضيء في واحة الشبّان يقابله ما هو معتم ومنغّص في محيط الطوائف. والمؤلم أنّ هناك من يسعون، بامتطائهم قاطرة الإيديولوجيا، إلى إلحاق الواحة المطلبيّة بالمحيط الطائفيّ، واستدخال عناصر الحرب الأهليّة في جسم يُعوّل عليه ألاّ يكون طائفيّاً. وبعملهم هذا فإنّهم يسهرون على تظهير أسوأ ما في الحياة اللبنانيّة.

لقد نهض الفساد، منذ الطائف، على قاعدتين متكاملتين، هما المقاومة التي نيط أمرها بحزب الله (الشيعيّ) والإنماء والإعمار اللذان نيط أمرهما برفيق الحريري (السنّيّ). وهذا ما يضع الحراك المطلبيّ أمام احتمالين: فإمّا أن يغلّب المبدئيّة على الفعاليّة، ويصادم هذين المُكوّنين للنظام، وإمّا أن يغلّب الفعاليّة من دون أن يُخلّ بالمبدئيّة، فلا يستعجل السياسة مؤكّداً على المطالب المباشرة والمُلحّة.

ذاك أنّ الدواهي الطائفيّة، وكما يعلّمنا تاريخ لبنان الحديث كلّه، تقيم تحت السواهي الإيديولوجيّة البرّاقة. وهناك اليوم مياه موحلة تجري من تحت الحراك النظيف.

وما يزيد الإلحاح على هذه الاستدراكات أنّ أحد الأطراف المعنيّة مسلّح، وبالتالي مخيف، فيما الأطراف الأخرى منزوعة السلاح، وبالتالي خائفة. فإذا استحال رفع صورة، مجرّد صورة، في معرض التنديد برأس الطرف المسلّح، صارت الحساسيّة واجبة في التعاطي مع الأطراف غير المسلّحة. وإذا استحال طرح وضع الملكيّات العامّة في جانب، صار حسّاساً جدّاً طرح المسائل ذاتها في جانب آخر.

وما يزيد السوء سوءاً تبرّع المتبرّعين بأدلجة فائضة لـ «حزب الله» بما يُخرجه من كلّ حساب. فبسبب «المقاومة» وبذريعتها، لا يعود مهمّاً التركيب الطائفيّ للحزب المذكور، ولا وعيه الدينيّ والطائفيّ، ولا قتاله في سوريّة في ظلّ «لبّيك يا حسين» و «لن تُسبى زينب مرّتين».

وبالقياس نفسه، فإنّ الأدلجة المنتفخة لا تكفي إلاّ لإقناع السذّج بأنّ الراغب في دفن أنطوان لحد في لبنان طائفيّ، فيما الرافض لهذا الدفن لبنانيّ شريف، وأنّ من يريد تكريم بشير الجميّل بمناسبة اغتياله هو الطائفيّ، بينما من يريد تكريم قاتله لبنانيّ متفانٍ.

وفي النهاية فالحراك لا ينبغي أن يرث سجالات الحرب الأهليّة الطائفيّة، وألاّ يكون مطيّة لها. أمّا أصحاب الأغراض فلهم حديث آخر، وأمّا البلهاء ففقدوا كلّ قدرة على الإدهاش منذ عيّن كاليغولا حصانه عضواً في مجلس الشيوخ.

arabstoday

GMT 23:51 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 23:10 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 23:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 21:15 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 20:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 20:56 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 20:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 20:48 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

روشتة لمواجهة الحر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بضع ملاحظات لبنانيّة سريعة بضع ملاحظات لبنانيّة سريعة



GMT 23:31 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 23:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab