الغزيون يتجاهلون أوامر الإخلاء تحت وطأة العجز المالي
آخر تحديث GMT05:27:11
 العرب اليوم -

الغزيون يتجاهلون أوامر الإخلاء تحت وطأة العجز المالي

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - الغزيون يتجاهلون أوامر الإخلاء تحت وطأة العجز المالي

مدينة غزة
غزة ـ العرب اليوم

تقف نوارة، امرأة في الثامنة والأربعين من عمرها، أمام كومة من الملابس والأغطية المحزومة بجوار قنينة غاز وبعض المواعين وبراميل المياه، وأربعة أفرشة. تنتظر بقلق وصول السيارة التي يفترض أن تنقلها مع أطفالها الخمسة إلى جنوب قطاع غزة، على أمل أن تجد هناك بقعة آمنة بعد تصاعد القصف الإسرائيلي على المدينة.

بالكاد تمكنت نوارة من جمع مبلغ 500 شيكل (نحو 150 دولاراً) بعدما توسلت إلى أحد السائقين كي يوافق على نقلهم بهذا السعر. وهو مبلغ لم يكفِ إلا لاستئجار سيارة صغيرة تجر عربة، ستحاول جاهدة أن تحمل فيها أولادها وكل أغراضها الأساسية. وإذا لم تكفِ المساحة، فإن نوارة ببساطة لن تنزح، لأنها لا تملك بديلاً.

هذه هي المرة العاشرة التي تنزح فيها نوارة وأطفالها منذ بداية الحرب. تقول بأسى: "أريد حماية أطفالي، لكن في كل مرة يكون النزوح أصعب من سابقتها. لا أعلم إن كنت سأجد مكاناً أستقر فيه في الجنوب. لم يعد أمامي سوى الهروب قدر المستطاع من مدينة غزة، التي باتت هدفاً مباشراً للهجمات، خصوصاً بعد تهديدات الجيش الإسرائيلي باجتياحها".

في صباح 9 سبتمبر/أيلول، ألقت الطائرات الإسرائيلية منشورات على مدينة غزة تطالب السكان بإخلائها تمهيداً لعملية عسكرية وصفت بأنها "إعصار مدوٍ"، حسب تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس.

ورغم خطورة الوضع، ما يزال أكثر من 1.2 مليون إنسان في مدينة غزة وشمالها، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي التابع لحركة حماس في اليوم ذاته.

كما أصدر الفريق القُطري للعمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة تقريرًا أكد فيه أن "نحو مليون شخص تُركوا دون خيارات آمنة أو عملية، فلا الشمال آمن ولا الجنوب يضمن النجاة"، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين من التهجير القسري.

لكن على أرض الواقع، لا يتخذ الغزيون قرار البقاء بدافع الشجاعة أو رفض الإخلاء، بل لأنهم ببساطة عاجزون عن النزوح. التكاليف المرتفعة جعلت من النزوح رفاهية لا يملكها الكثيرون.

حنين، شابة غزية تعيش مع عائلة مكونة من 20 فرداً، بينهم والداها وأطفال إخوتها، اتخذت قرارها بالبقاء في غزة رغم التهديدات المتزايدة. تقول: "نحن لا نرفض الإخلاء لأننا لا نخاف الموت، بل لأننا لا نستطيع تحمّل تكاليف النزوح".

تحتاج العائلة إلى شاحنتين لنقل أفرادها وممتلكاتهم، بتكلفة تصل إلى 5,000 شيكل (نحو 1,500 دولار). مبلغ يستحيل تأمينه في ظل إنفاقهم اليومي على الطعام فقط. وتضيف: "ننفق كل ما نملك على الطحين والبطاطا. لا نملك شيكلًا واحدًا نزح به".

ويواجه النازحون تحديات متزايدة مع كل موجة نزوح جديدة، فالأساسيات باتت باهظة الثمن؛ عربة تنقل الأمتعة، أرض يؤجرونها في مكان النزوح، وخيمة تأويهم. كلها تجاوزت قدرة الناس المادية.

تقول نوارة بحسرة: "فقدت 20 كيلوغراماً من وزني لأنني لا أستطيع شراء الطعام. فكيف يمكنني تحمّل مئات الدولارات لأجل النزوح؟".

وفي ظل تصاعد عمليات الإخلاء، تضاعفت أسعار الشحن. حنين أرسلت صورة لعربة صغيرة مجرورة بدراجة نارية طلب صاحبها 900 شيكل (270 دولاراً) مقابل نقل شحنة واحدة بالكاد تكفي حاجاتها الشخصية.

وتشير تقديرات إلى أن الشاحنة الكبيرة باتت تُؤجر الآن بين 2,000 و2,500 شيكل (600-750 دولاراً)، بينما كانت تتراوح بين 1,000 و2,000 شيكل قبل تصاعد القتال. أما الحافلات الصغيرة فتكلف الآن من 1,500 إلى 1,800 شيكل (450-540 دولاراً). وكلما اشتدت المعارك، تضاعفت الأسعار.

ولا يقتصر الغلاء على وسائل النقل. فالخيام التي يعتمد عليها النازحون ارتفعت أسعارها بشكل جنوني. ففي حين كان سعر الخيمة الجاهزة يصل إلى 2,000 شيكل (600 دولار)، تجاوز سعرها حالياً 5,000 شيكل (1,500 دولار) في ذروة موجات النزوح.

في المقابل، يعمد الكثير من الغزيين إلى صناعة خيامهم بأنفسهم باستخدام الشوادر والخشب، ما يتطلب مواداً مثل:


3 شوادر × 500 شيكل = 1,500 شيكل (450 دولار)

 

خشب = 900 إلى 1,000 شيكل (270-300 دولار)

 

حمام بدائي = 1,000 إلى 1,500 شيكل (300-450 دولار)

 

وتحتاج هذه الخيام إلى قطعة أرض تؤجر بمعدل 3 دولارات للمتر الواحد شهرياً، ما يجعل استئجار 500 متر – كحال عائلة حنين – يصل إلى 1,500 دولار شهرياً.

وسام، أب لطفلين، عاد إلى غزة بعد هدنة في بداية عام 2025 ليكتشف أن منزله قد دُمّر بالكامل. كلفه النزوح السابق 250 دولاراً، اضطر خلالها لبيع خيمته وبرميل الماء لتأمين كلفة النقل. وبعد أن حصل على خيمة جديدة وجهّزها، لم يعد مستعداً للتخلي عنها. يقول: "لن أبدأ من الصفر مرة أخرى. لدي الآن خيمة وسجاد وأفرشة. حتى لو قُتلنا، لن أنزح. سأبقى، وقد أرسل زوجتي وأولادي وأبقى وحدي".

كلام وسام لم يكد ينهيه حتى دوى قصف قرب خيمته استهدف برج الرؤيا، على بعد 200 متر فقط.
وتظهر خريطة النزوح أن وسام تنقّل بعائلته عدة مرات منذ ديسمبر 2023، من غزة إلى البريج، ثم رفح، فخان يونس، ثم عاد إلى غزة خلال الهدنة. واليوم، تتجاوز كلفة نزوحه المحتمل 600 دولار، وهو مبلغ يستحيل تأمينه.

الأزمة تتجاوز المال. إذ أن من نزحوا نحو الجنوب يعانون أصلاً من الاكتظاظ، ونقص المأوى. كثيرون عادوا إلى غزة رغم استمرار القصف، لأنهم لم يجدوا مكاناً يحطّون فيه رحالهم، كما يقول محمد غبن الذي نزح ليلاً من بيت لاهيا ثم عاد في اليوم التالي.

ويؤكد تقرير صادر عن حماس وجود نحو 12,000 شخص عادوا إلى مناطقهم الأصلية في الشمال بعد فشلهم في العثور على مأوى في الجنوب، في ظاهرة باتت تُعرف بـ"النزوح العكسي".
وفي الوقت الذي لا تزال فيه الحرب مستعرة، تغيب الحلول الحقيقية، فيما يحاول الغزيون النجاة بأرواحهم بما توفر لهم، إن توفّر.

تقول نوارة وهي تراقب الطريق بعيون دامعة في انتظار السيارة: "أهلكنا النزوح. تعبنا. هذه الحرب لا تنتهي. كل ما أريده هو النجاة بأطفالي".

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

نتنياهو يؤكد أن الأرض لإسرائيل ويرفض قيام دولة فلسطينية

نتنياهو يؤكد رفض قيام دولة فلسطينية والصحة العالمية تواصل البقاء في غزة رغم دعوات الإخلاء

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغزيون يتجاهلون أوامر الإخلاء تحت وطأة العجز المالي الغزيون يتجاهلون أوامر الإخلاء تحت وطأة العجز المالي



هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 03:47 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

إسرائيل تعلن طلب مسؤولين بحماس مغادرة غزة

GMT 01:56 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

شأن ما جرى في قطر!

GMT 12:17 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

هل يمكن العودة للسلام؟

GMT 03:52 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

جيش الاحتلال يعتقل شابًا سوريًا بريف القنيطرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab