الانتخابات البلدية في حجمها الحقيقي

الانتخابات البلدية في حجمها الحقيقي

الانتخابات البلدية في حجمها الحقيقي

 العرب اليوم -

الانتخابات البلدية في حجمها الحقيقي

بقلم :خير الله خير الله

أسدل الستار على الانتخابات البلدية في لبنان. أظهرت هذه الانتخابات، التي كان الفصل الأخير منها في شمال لبنان الذي عاصمته طرابلس، أن لبنان بلد يستأهل الحياة وأنّ لدى شعبه كمّية من الحيوية تمكّنه من ممارسة اللعبة الديمقراطية التي لا وجود لها في المنطقة.

استطاعت الديمقراطية حماية لبنان في كلّ الظروف وأكثرها سوءا. في الماضي القريب، انتخب اللبنانيون رئيسا للجمهورية كي يكون هناك دائما رمز للجمهورية التي تتعرض لهجمات مستمرّة منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969.

قبل كلّ شيء، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات التي أثبتت مقاومة اللبنانيين، حتّى في المناطق الشيعية، لنهج “المقاومة” و”الممانعة” وكلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالمزايدات، لا بدّ من الاعتراف بأنّ الانتخابات البلدية أزالت كلّ منطق يدعو إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مفترضا أن تجرى البارحة قبل اليوم.

أكثر من ذلك، بات إجراء الانتخابات النيابية المؤجلة منذ العام 2013 أمرا محتوما. لم يعد من سبب لتأجيل الانتخابات النيابية المقررة في غضون سنة، بصرف النظر عن الاتفاق على قانون انتخابي جديد يعمل “حزب الله” على جعله مناسبا لطموحاته وللطموحات الإيرانية.

عكست الانتخابات البلدية مزاجا متأصلا في نفوس اللبنانيين. هناك رغبة واضحة داخل كل لبناني في رفض كلّ من له علاقة بذلك الشعار الكبير الفارغ الذي اسمه “المقاومة” و”الممانعة”، خصوصا في بيروت وطرابلس وصيدا. لم تعد الشعارات تنطلي على أحد، لذلك لم تكن من حماسة شعبية في طرابلس للائحة تضمّ عناصر من المحسوبين على النظام السوري بطريقة أو بأخرى.

طاول هذا التوجّه المناطق المسيحية أيضا. تبيّن أن هناك رفضا مسيحيا في العمق لكلّ ما يمثله النائب ميشال عون وتيّاره الذي يستخدمه “حزب الله” لتغطية عملية تستهدف منع انتخاب رئيس للجمهورية من جهة، وإعادة النظر في اتفاق الطائف من جهة أخرى.

قال اللبنانيون كلمتهم. أكّدوا أنّه لا تزال لديهم كلمة، وأنّهم يرفضون، بشكل عام، أن يكونوا ذلك القطيع الذي يسير وراء ما يقرّره الوليّ الفقيه في طهران. هناك، في المناسبة، نكتة ليست بعدها نكتة تتمثّل في شماتة وسائل الإعلام بالرئيس سعد الحريري بعد صدور نتائج طرابلس.

كلّ ما فعله سعد الحريري كان السعي إلى جعل الانتخابات البلدية مناسبة لإيجاد الطريقة الأفضل لإنماء المدينة وتطويرها. هل كان عليه الدخول في مزايدات سياسية ورفع سقف مطالبه السياسية كي يرضى “حزب الله” عنه؟ هل مطلوب من سعد الحريري تسييس الانتخابات البلدية إلى أبعد حدود، والمساهمة في تعميق الشرخ السنّي – الشيعي، وإثارة كلّ الغرائز المذهبية كي يبعث إليه “حزب الله” برسالة امتنان؟

وضع سعد الحريري الانتخابات البلدية خلفه، كذلك فعل وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي عليه من الآن فصاعدا الإعداد للانتخابات النيابية والعمل مع القوى السياسية على إزالة العقبات التي تضعها إيران، عن طريق “حزب الله” في وجه الانتخابات الرئاسية.

كانت الانتخابات البلدية حدثا في غاية الأهمّية. كان النجاح الأوّل لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية التي أمّنت إجراء الانتخابات في هذه الظروف المعقّدة. السؤال الآن كيف العمل على إبقاء لبنان بعيدا عن حرائق المنطقة، خصوصا عن الحريقيْن السوري والعراقي؟

لا شكّ أن هناك عوامل عدّة تعمل لمصلحة لبنان. في مقدّمتها وجود هويّة وطنية حقيقية لدى معظم اللبنانيين. هذه الهويّة اللبنانية ظهرت بوضوح في مناسبات عدّة. لولا هذه الهويّة التي تفرض على كلّ القوى السياسية، خصوصا القوى الحزبية، إعادة النظر في حساباتها، لما كان الجيش السوري خرج من لبنان في العام 2005. كذلك، لولا هذه الهويّة اللبنانية لما كان لبنان لا يزال صامدا في وجه ما يجري في المنطقة، وفي ظلّ كلّ المحاولات التي يبذلها “حزب لله” لجعله مجرّد مستعمرة إيرانية وتابع للمنظومة المذهبية التي تُدار من طهران. هذه المنظومة التي تعبّر عن نفسها حاليا عبر ارتكابات الميليشيات المذهبية في سوريا والعراق، من دمشق إلى حمص وحماة وحلب… وصولا إلى بغداد والفلّوجة.

هناك حرب مذهبية في المنطقة تصرّ إيران على زج لبنان فيها. ذلك هو التحدي الأهم الذي يواجه اللبنانيين. كان إجراء الانتخابات البلدية الحدث الأهم في هذه الانتخابات لا أكثر ولا أقلّ. كان مهمّا ظهور تيّار عام في البلد يعكس رغبة في التعلّق بثقافة الحياة. وهذا يعني، في طبيعة الحال، التصدي لثقافة الموت التي يسعى “حزب الله” إلى فرضها، إن عبر سلاحه المذهبي غير الشرعي، أو عبر مشاركته في كلّ الحروب المذهبية في المنطقة، بما في ذلك الحرب التي يشنّها النظام الأقلّوي في سوريا على شعبه.

المهمّ أن لبنان أظهر، مرّة أخرى، أن في استطاعته الدفاع عن نفسه وأنّه لم يستسلم بعد لا لإيران ولا لغير إيران التي يتكشّف كلّ يوم أنّها لم تتخلَّ عن مشروعها التوسّعي المرتكز على إثارة الغرائز المذهبية في كلّ مكان تستطيع الوصول إليه.

يبدو أنّ على من لا يزال يراهن على تغيير في إيران الانتظار طويلا، ذلك أنّ لا شيء يشير إلى الآن إلى بداية تغيير في ضوء الانتخابات التي جرت أخيرا في هذا البلد. فإيران التي لا تترك مناسبة إلّا وتعبّر فيها عن أن لبنان مجرد جرم يدور في فلكها.

بكلام أوضح، تعتبر إيران نفسها القوّة الإقليمية التي تستطيع أن تفعل ما تشاء حيثما تشاء، بما في ذلك التدخل المباشر في الفلّوجة… أو منع انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.

هذا ما يفترض في اللبنانيين التفكير فيه مليا من دون تجاهل الدروس التي يمكن استخلاصها من الانتخابات البلدية. عليهم، باختصار شديد، عدم إضاعة البوصلة والغرق في متاهات انتخابات لا يمكن، في نهاية المطاف، إلا وضعها في حجمها الحقيقي بغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها.

 

arabstoday

GMT 19:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 18:51 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

ردت إيران… لكنّ الثمن تدفعه غزّة

GMT 20:07 2024 الأحد ,14 إبريل / نيسان

ردّت إيران... لكنّ الثمن تدفعه غزّة

GMT 12:09 2024 الخميس ,11 إبريل / نيسان

مصير لبنان بعد حرب فرضتها إيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات البلدية في حجمها الحقيقي الانتخابات البلدية في حجمها الحقيقي



GMT 15:32 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب
 العرب اليوم - ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب

GMT 19:40 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط في شمال قطاع غزة

GMT 08:50 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

إسرائيل تقصف مواقع لحزب الله بجنوب لبنان

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مقتل 7 أشخاص وإصابة 15 آخرين في حادث سير بالجزائر

GMT 09:16 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

حرائق في منشآت طاقة روسية بعد هجمات أوكرانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab