بعيدًا عن السياسة

بعيدًا عن السياسة

بعيدًا عن السياسة

 العرب اليوم -

بعيدًا عن السياسة

بقلم : عريب الرنتاوي

(1) أرصفة بلا مشاة

لا تكاد تعثر على رصيف واحد في عمان، وفي غيرها من المدن الأردنية، يصلح لاستخدام المارة والمشاة، فكل مقطع من الرصيف له مواصفاته وارتفاعاته المختلفة، وجميع الأرصفة بلا استثناء تقريباً، مزروعة بأشجار الزيتون أو نباتات الزينة (جولد ستار) من النوع الذي يحتفظ بشكل مخروطي، قاعدته عريضة، وقمته تطاول عنان السماء.

وإذا أضفنا إلى الأشجار، مختلف أشكال التعدي الأخرى على الرصيف العام، كتلك التي يقوم أصحاب المطاعم والمحلات التجارية والمقاهي، وأحياناً سائقو السيارات الذين يحرصون على ترك مسافة لا تتعدى العشرين سنتيمتراً بين مقدمة سياراتهم وجدران الرصيف المقابلة، يصبح استخدام الرصيف أمراً متعذراً للغاية، لا يقوى عليه سوى الرياضيين من محترفي سباقات المائة متر حواجز.

لست أتحدث هنا عن حق أصحاب ذوي الاحتياجات الحركية الخاصة، ولا أنا أنظر بعين التعاطف مع الأمهات اللواتي يصطحبن أطفالهن للخارج، سيراً على الأقدام أو في عرباتهم الصغيرة … مثل هذا الطموح يبدو بعيد المنال، أنا أتحدث عن أرصفة لم تعد تستقبل المشاة على إطلاقهم، فباتوا يؤثرون المجازفة بالسير بين السيارات، على خوض مشقة الانحناء أو الركوع للمرور من تحت شجرة زيتون أو بجوار شجرة «جولد ستار».

لا حل لهذه المشكلة، إلا بقرار جريء تتخذه أمانة العاصمة والبلديات الكبرى، بإزالة كافة مظاهر التعدي على الرصيف، بما فيها تلك التي تأخذ طابعاً تجميلياً … ربما يفكر مهندسو الزراعة وخبراؤها، وهم كثر، بالتفكير ببدائل عن أشجارنا المعيقة للحركة، تكفل ضرب عصفورين بحجر واحد: إبقاء الرصيف مفتوحاً للمشاة والمارة وعابري السبل من جهة، وتزيين المدينة وحفظ خضرتها واخضرارها من جهة ثانية.

لست خبيراً زراعياً، وبالكاد أعرف الفرق بين البقدونس والكزبرة، لكن هناك من لديه القدرة على اجتراح الحل، لكنني أتعهد بـ «إماطة الأذى» عن الرصيف أمام منزلي، فلدي ثلاث شجرات «جولد ستار» تطبق على الرصيف، وتجعل حياة والدتي صعبة، كلما قررت الخروج لامتطاء سيارة أحدنا في زيارة هنا أو مشوار هناك … ولكن من سيقنع جاري على سبيل المثال، الذي انتزع البلاط عن الرصيف، وزرع مكانه «نجيلاً» اخضر، وأحواض من الورود الجميلة، فبات جزءاً من حديقته الداخلية، تحت طائلة «ممنوع المرور».

(2) بائعو الجرائد

في ذاكرتي العمّانية القديمة، صورة لا تنسى لشبان صغار يبيعون الجرائد صباحاً بكل حماسة وحيوية … يتراكضون ما بين السيارات والمارة في شارع السلط ووسط البلد وشارع الأمير محمد … يرددون بأعلى أصواتهم المانشيتات التي صدرت بها صحف ذاك اليوم، ويعيدون التذكير بأسماء الصحف التي يبيعونها، وأحياناً يرتدون «فيست» عليه اسم لإحدى الصحف أو وكالات التوزيع …. كانوا في ذروة النشاط والعنفوان، وكانت حماستهم تشق عنان الفضاء،

لا سيما إن كان في الأحداث ما يغري المارة على شراء الجريدة للاستزادة، كأن يكون هناك خبر متعلقا بالصراع العربي الإسرائيلي أو تقرير حول جريمة نكراء، لم يكن يحدث منها الكثير في تلك الأزمنة، بخلاف حالنا هذه الأيام.

ويبدو أن حال بائعي الجرائد عندنا، قد تغير وتبدل على نحو مؤسف ومزر للغاية … لم تعد تميز بينهم وبين المتسولين الذين يتخذون من الإشارات الضوئية مكاناً مناسباً لاقتناص ركاب السيارات وسائقيها … يفاجئك بائع الجريدة، بطلب شرائها، ثم يشرع في استعطافك لتعطيه مبلغاً يسيراً من المال، في عملية أقرب للتسول منها إلى بيع الجرائد … لم يعد بائع الجرائد يُعنى بقراءة المانشيتات، ولا بالبحث عن أخبار تساعده في تسويق الصحيفة … بعضهم بات يتأبط رزمة من الصحف، كغطاء لمهنة أخرى: التسول … حالة مزرية، كلما قارنتها مع الصور القديمة التي يختزنها بعضنا لهذه المهنة في سابقات الأيام.

(3) حلاق الأمس واليوم

أخوض في جدل مع ابني غير البكر، رجا، كلما قررت الذهاب إلى صالون الحلاقة لقص شعري المتساقط بتسارع أصلاً … هو يقترح دوماً أسماء لصالونات حديثة في عبدون ودير غبار، تستخدم أنواعا حديثة من الأجهزة والمواد والكريمات، ولدى الشبان القائمين عليها، خبرة واسعة في عالم «القصات» والموديلات، الحديث منها والقديم … أعده دائماً بإعادة التفكير في أمر حلاقي، لكن ما أن أضيق ذرعاً بذقني أو بشعر رأسي، حتى أجد نفسي جالساً على الكرسي «إياه» لحلاقي المعتمد منذ أزيد من عقدين من الزمان.

والحقيقة أنني لا أذكر سوى حلاقين اثنين، أو بالأحرى صالوني حلاقة، تعاقبت عليهما طيلة حياتي في الأردن … فمنذ الطفولة وحتى سنوات الجامعة، قبل أن أغادر إلى بيروت، لم أدع أحداً غير الحلاق أبو حسين في مخيم الوحدات، يقص شعري، لا أذكر أنني حلقت ذقني عند حلاق حتى بلغت الخمسة والعشرين عاماً من عمري.

ومنذ أن عدت للاستقرار في الأردن في العام 1994 وحتى يومنا هذا، لم أغير صالون الحلاقة الذي أرتاده، مرة كل بضعة أسابيع، أي باختصار، أجدني جاهلاً في عالم الحلاقة وصالوناتها، حتى أنني بدأت أخفف قليلاً من متطلباتي وتوقعاتي، بعد أن أدركت أن حلاقي، يعاني ضعفاً في النظر، ويتجاوز كل مرة عن قدر متزايد من الشعيرات التي تحيط بأذني وذقني … كل ذلك، حتى لا اتجشم عناء التغيير والرتابة والتجريب.

المصدر : صحيفة الدستور الأردنية

arabstoday

GMT 05:33 2021 الإثنين ,12 إبريل / نيسان

عن القدس والانتخابات

GMT 04:29 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 05:43 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و»حرب السفن»

GMT 18:43 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعيدًا عن السياسة بعيدًا عن السياسة



إليسا تتألق بفستان مرصع بالكريستالات وتخطف الأنظار بإطلالات فاخرة

جدة ـ العرب اليوم

GMT 14:36 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

الدور المقبل.. هدم الأقصى !

GMT 06:10 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

المحنة السودانية!

GMT 06:06 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

ليالى الإسكندرية وليل الساحل

GMT 08:39 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

جورج عبدالله بوصفه مستقبل “الحزب”

GMT 06:27 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

شهادة تأثير وقوة ناعمة تُرعب المحتل

GMT 05:52 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

بكين في حالة تأهب قصوى لمواجهة أمطار غزيرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab