أتون العذاب الأبدى

أتون العذاب الأبدى

أتون العذاب الأبدى

 العرب اليوم -

أتون العذاب الأبدى

بقلم: أسامة غريب

يبدو أننا أصبحنا في زمن لا يندهش فيه الناس حين يبيع الصديق صديقه، ويبدو كذلك أن أعز ما يحلم به الرفقاء هو أن يتم بيعهم بثمن غالٍ مُكافِئًا لقيمة الصديق وحجم الصداقة، ما دام البيع قد صار حتميًا!.

لقد وقر في النفوس أن البيع بالرخيص مؤلم للغاية، وفى ظنى أن الغضب الذي يتلو بيع الصديق لصديقه بالغالى يخفت ويتلاشى بالتدريج، بينما البيع بثمن بخس لا يُنسى أبدًا، فهو يزج بالمرء إلى قاع من اليأس والاكتئاب نتيجة الشعور بالهوان والضعة. وقد تتوافق هذه الأمنية ببيع الصداقة بثمن مرتفع مع تعبير صكه أحد الحكماء الساخرين عندما عرّف الصديق الحقيقى بأنه ذلك الذي يطعن من الأمام!. فكيف نفهم مزايا تلقى الطعنة من الأمام؟.. أعتقد أن وصم الطاعن من الخلف بالجبن قد وصف الحالة لكن دون أن يفسرها.

ذلك أن حامل السلاح الذي يبغى الشر بخصمه أو بصديقه يملك إمكانية الحسم في كل الأحوال سواء واجه الرجل وطعنه من الأمام أو باغته ورشقه من الخلف، فما الذي يجعله يخشى النظر في عينى الضحية؟!.. أظن السبب يكمن في أن العيون ليست مجرد وسائل للرؤية والإبصار لكنها تختزل الإنسان كله في نظرة، وبإمكانها أن تحمل في لمحة كل الأمل والألم والعتاب، وهى حاملة ومستقبلة رسائل طوال الوقت، وقد قالوا من قديم إن الصبَ تفضحه عيونه، والشاعر أحمد فؤاد نجم وصف عينى المرء بأنهما «شباكين ع القلب دوغرى موصّلين».

لذلك فإن القاتل يخشى من مواجهة ذلك، ويتحاشى أن تلتقى عيناه بعينى الصديق المغدور خشية أن يُضمّن المقتول نظراته رسائل لا تُحتمل في تلك اللحظات بها ذكريات عن ملاعب الصبا وعن الفتيات والمواعدة وعن المشاجرات التي دخلها لأجل صديقه والمواقف التي حماه فيها من الفضيحة وستر عليه، وكذلك المرات التي أنقذه فيها من الشرور التي كانت محدقة.. كل ذلك لا يود القاتل أن يتعرض له خشية الكوابيس الليلية التي ستصاحبه بقية العمر فتفسد عليه الاستمتاع بالمغانم التي حصدها من طعن الصديق.

هذا فضلًا عن الأشعة التي تخرج من العينين المغدور صاحبهما.. تلك الأشعة التي يخشاها الناس في الظروف العادية ودون وجود صراع، يكون تأثيرها أشد في لحظات الخيانة.. ويمكن لمثال المصعد أن يكون كاشفًا حيث يخشى الغرباء الذين يضمهم الأسانسير أن تتلاقى نظراتهم خوفًا من الأشعة التي لا يبطلها سوى الود بين الناس، ولما كان الود الحقيقى مفقودًا، فإن كل واحد يحملق في السقف أو يتشاغل بالعبث بشاربه أو بالنظر في المحمول.. يحدث هذا لتفادى الأشعة التي تخرج من العينين خشية أن تحمل موجات ضارة.

ورغم هذا فإن الصديق المقتول قد يستفيد من رغبة القاتل أحيانًا في الظهور بمظهر الشجاع الذي لا يخشى المواجهة فيقدم على الطعن من الأمام، وهنا يكون قد تم استدراجه إلى ملعب الضحية، حيث تتلاقى نظرات العيون وقت الطعن، فيضمن المقتول بهذا أن يقذف بقاتله إلى أتون العذاب الأبدى.

 

arabstoday

GMT 03:23 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

عن الحرب مجددًا

GMT 09:51 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أوطان تذوب ودول تُمحى

GMT 09:50 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

شبح العودة من الحرب

GMT 09:48 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

الحوثي... و«هارفارد» و«حماس»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أتون العذاب الأبدى أتون العذاب الأبدى



النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 08:47 2024 السبت ,11 أيار / مايو

طرق تنظيف أنواع الكنب ووسائده المختلفة
 العرب اليوم - طرق تنظيف أنواع الكنب ووسائده المختلفة

GMT 20:59 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي

GMT 08:42 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

3 زلازل تضرب شرق تايوان في 5 دقائق

GMT 03:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab