بقلم:أسامة غريب
ليست منى الشاذلى هى التى تسرق اللوحات، لكنها هى التى تأتى بالسارقين وتقدمهم للناس باعتبارهم بعض إشراقات مصر على العالم، وتأتى بجمهور مدفوع الأجر ليصفق لهم فى الاستوديو. لقد تكرر الأمر أكثر من مرة، والناس لم تنس بعد سيدة سرقت لوحات فنان روسى وقامت ببيعها لهيئة المترو التى قامت بعرض اللوحات المسروقة فى محطات القطارات، ولا نعرف حتى الآن هل قامت الفنانة المزعومة بإعادة الفلوس للخزانة العامة أم ما زالت تحتفظ بها!.
ثم تأتى الآن فضيحة جديدة خاصة بسيدة أخرى تجولت بصدق وإصرار على النت وقامت بسرقة مجموعة من اللوحات لفنانين وفنانات أجانب ونسبت لنفسها أعمالهم التى أفنوا أعمارهم فيها. بعد أن افتضح أمرها فيما يخص لوحة واحدة لفنانة دنماركية خرجت وقدمت اعتذارًا صريحًا على ما فعلته، وكذلك فعلت منى الشاذلى على ما بدر من البرنامج فى حق الفنانة الحقيقية، ولكن بعد ذلك توالت الأخبار عن سرقات أخرى لفنانات شابات من بلاد مختلفة، وهذا يعنى أن الاعتذار الخاص بالفنانة الدنماركية لم يعبر عن توبة نصوحة، لكنه استدراك عن جريمة تم كشفها، أما السرقات الأخرى التى لم تكتشف بعد فلن نتحدث ولن نعتذر عنها حتى يصرخ أصحابها ويثيروا فضيحة.
لماذا يرفض الإنسان العادى فى مجتمعنا أن يكون عاديًا ويتطلع إلى أن يكون متميزًا دون جدارة؟، ولماذا يجد من يدعمونه إعلاميًا ويجلبون له تقديرًا جماهيريًا لا يستحقه؟. لقد طرحت الفنانة الدنماركية سؤالًا جديرًا بالتأمل علينا أن نتفحصه إذ قالت: أنا أحاول بمجهودى أن أمتلك بيتًا يأوينى مع أطفالى الصغار بينما سيدة ثرية تسرق عملى وتنسبه لنفسها.. كيف يحدث هذا؟!.
ونحن بدورنا نتساءل: لماذا يفعل الأثرياء هذا ولا يكتفون بما لديهم من حياة ناعمة؟، إننا لو نظرنا حولنا لأبصرنا نماذج نعرفها لأثرياء نسبوا لأنفسهم أشعارًا كتبها موهوبون فقراء، وهناك من نشروا روايات وضعوا أسماءهم عليها وكتبها فى الحقيقة أدباء فقراء. لقد كان هذا هو السائد فى السابق، وسيط يتفاوض مع موهوب فقير لأجل أن يحصل ثرى على ناتج إبداعه فى السر وفى الخفاء مقابل بعض المال، وليس خافيًا علينا ما حدث مع الشاعر أحمد مخيمر أكثر من مرة حينما استولى بعض الوجهاء على أشعاره ونسبوها لأنفسهم. الآن لم يعد الأثرياء يريدون حتى أن يدفعوا المال إلى المبدع الفقير.
صاروا يمدون أيديهم ويهبشون إبداعات الناس ويضعون عليها أسماءهم بكل وقاحة، استنادًا إلى زمن يسير فيه الناس فى الشارع سُكارى وما هم بسكارى، بحيث أنك إذا ضربت شخصًا على قفاه فإنه لن يلتفت بداعى الفضول ليرى مَن صفعه!. إننا من فرط شعورنا بالفجيعة نناشد السادة الذين كانت الحياة معهم فى غاية السخاء ومع هذا يريدون للناس أن تراهم أدباء ومفكرين وشعراء يعودون إلى التقاليد القديمة فى النصب والاحتيال ويدفعون للموهوبين الحقيقيين شيئًا من المال بدلًا من السطو المجانى الذى يتبعه اعتذار بائس.. اعتذار عن انكشاف الأمر وليس عن الجريمة!.