«العرب» في الأمم المتحدة بين عصرين

«العرب» في الأمم المتحدة: بين عصرين..

«العرب» في الأمم المتحدة: بين عصرين..

 العرب اليوم -

«العرب» في الأمم المتحدة بين عصرين

طلال سلمان

اندثر العرب، كأمة واحدة، أو كدول متجاورة وذات مصالح مشتركة، بشهادة الوقائع التي حفل بها الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي رئسه فافتتح اللقاءات عبره ومن خلاله الرئيس الأميركي باراك اوباما.

وبغض النظر عن صيغة الأمر واللهجة الحازمة التي تحدث بهما هذا الرئيس المتهم بالضعف والعجز عن تجسيد قوة الدولة المهيمنة على مقادير الأمم والشعوب في مختلف أنحاء العالم، فلقد تصرف اوباما على أنه «سيد الكون» يأمر فيُطاع.. والعصا لمن عصى، بشهادة طيرانه الحربي الذي يجتاح السماوات العربية بالطلب، بل بالرجاء، بينما طائراته المن غير طيار تجوب آفاق الدول بغير إذن أو احتجاج!
وكانت الوفود العربية عديدة، تضم رؤساء وأمراء ووزراء، لكن الكثرة لم تكن تعني الحضور، ولا الحضور، لو انه تحقق، كان يعني المشاركة في القرار، ولو من قبيل تبلغ الأمر والانصراف إلى التنفيذ الفوري، بغير نقاش..
كان «العرب» كلهم هناك، ولكن من خارج عروبتهم: لا المواقف موحدة بل هي متباعدة غالباً، متضادة أحياناً، ولا التعامل مع الآخر، سواء أكان أميركياً أم روسياً أم أوروبياً أم حتى إسرائيلياً، كان موحداً ومعبراً عن التضامن ولو بالحد الأدنى، وعن موقف مشترك ولو على قاعدة «سيروا بخطى أضعفكم»..

لقد اندثر العرب، بالمعنى السياسي، وفقدوا موقعهم المؤثر في السياسة الدولية، بل إنهم قد فقدوا القدرة على القرار في شؤون بلدانهم وصاروا أسرى أسئلة عجزهم: هل تبقى لهم دولهم أم تراها تزول بالتقسيم أو بالتفتيت أو بالتدمير المنهجي بالطائرات الحربية التي استدعوها، وفتحوا لها أجواءهم بالأمر لتدفع عنهم خطر السقوط أمام جحافل الزاحفين لاجتياحها باسم خليفة داعش وجيوش الجاهلية المسلحة بالشعار الإسلامي.

صار العرب، بمجرد خروجهم من العروبة وعليها «قوة عظمى»، لهم طيران حربي تتوزع قواعده في مختلف انحاء الجزيرة والخليج، وهو حاضر لتأديب العصاة والخارجين على القانون الدولي بالصياغة الأميركية: ينطلق بالأمر الأميركي ليضرب دولة العباسيين في أرض السواد وفي دولة الأمويين في بلاد الشام، وتعود طائراته ـ بطياريها وطياراتها السمراوات ـ إلى قواعدها الأميركية سالمة وقد دمرت أهدافها بالكامل، بلا خسائر تذكر... إلا في كرامة الانتماء لهذه الأمة مهيضة الجناح.

...لشد ما اختلف المشهد في المبنى الأزرق للأمم المتحدة، هذه الأيام عنه قبل أربعة وخمسين عاماً، إن الفارق بين المشهدين يثير الغضب حتى البكاء قهراً وشعوراً بالمهانة.

كان العرب، بشخص جمال عبد الناصر، معززاً بأصدقائه الكبار، شو إن لاي وسوكارنو ونكروما، وتيتو، وسيكوتوري وفيديل كاسترو، وصولاً إلى خروشوف، أصحاب قرار، ليسوا متطفلين وليسوا ملتحقين، وأصحاب موقف وليسوا خدماً في بلاط السادة الكبار، وأصحاب حق يطلبونه واقفين وليس بالتسول، يحررون أرضهم وإرادتهم بدمائهم وبفهمهم لخطورة دورهم بحكم موقعهم في العالم ووعيهم لخطورة هذا الموقع، وباستعدادهم للجهاد مهما بلغت أكلافه لتحرير أرضهم وحقهم في وطنهم كما في الجزائر..

كان للعرب دورهم في صنع القرار الدولي انطلاقاً من حقيقة انهم «قوة» قادرة على الفعل، بشهادة إلحاقهم الهزيمة بالعدوان الثلاثي سنة 1956 والذي شاركت فيه دولتان كبيرتان مع العدو الإسرائيلي في الهجوم على مصر بعد إقدام جمال عبد الناصر على ممارسة حق مصر في استعادة قناة السويس (التي بناها المصريون بدمائهم) من مستثمريها الاجانب إلى أحفاد من ماتوا ليفتحوا مجراها في قلب الصخر والرمال.

وكان للعرب حلفاؤهم الكبار وأصدقاؤهم الكبار في العالم، ليسوا أتباعاً يُؤمَرون فيطيعون، وليسوا ملحقين بالأقوى، بل كانوا في صدارة العاملين لتحرير الشعوب في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ومن دعاة نيل السود في الولايات المتحدة الأميركية دورهم في بلادهم، وهو دور سرعان ما فرضت الحياة وقوة الأمر الواقع على القيادة الأميركية الاعتراف به، والذي سهل على مواطن متحدر من سلالة أفريقية مثل باراك اوباما ان يكون رئيساً للدولة الأقوى في العالم.

كان العرب أهل أوطانهم وأصحابها، لا يعيِّن الاجنبي حكامها، ولا يلجأ الحكام إلى الاجنبي ليستقووا به على شعوبهم: أرضهم لهم يغادرها المحتلون القدامى بالتتابع، تحت ضغط الثورات الشعبية والعمل لتحرير الإرادة قبل الأرض ومن أجلها.

اليوم، وفي الذكرى الرابعة والإربعين لرحيله، يتصرف معظم القادة العرب وكأنهم تخلصوا أخيراً من «شبحه»، متناسين ان قوته وقدرته على التأثير والشعبية العظمى التي نالها، كل ذلك قد تم له نتيجة قدرته على اتخاذ القرار الذي انتظرت الجماهير من يجرؤ على اتخاذه محرراً الأمة من مخاوفها ومعيداً إليها الثقة بقدراتها غير المحدودة.

والأمل ان تعجل القرارات الخاطئة حتى حدود الخيانة والتي اتخذها ويتخذها بعض حكام البلدان العربية في إعادة الأمة إلى الحياة، وإلى دورها في صنع الغد الأفضل لشعوب هذه الدنيا التي انحصر خيارها بين الدواعش الآتين من الجاهلية والحكام الذين يريدون إخراجها من هويتها ومن التاريخ والجغرافيا.

وجمال عبد الناصر يسكن الوجدان... والغد.

arabstoday

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

GMT 07:53 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» في سياساتها

GMT 07:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما يطغَى الفُجور في الخصومة

GMT 07:48 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ما تحتاجه سوريا اليوم

GMT 07:47 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«العرب» في الأمم المتحدة بين عصرين «العرب» في الأمم المتحدة بين عصرين



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
 العرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 05:32 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
 العرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 21:24 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 18:09 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بابا الفاتيكان يجدد دعوته لوقف إطلاق النار في السودان

GMT 02:58 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران تواجه خطر نفاد مياه الشرب بسبب "جفاف تاريخي"

GMT 03:04 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعتزم إعادة قطعة أثرية عمرها 3500 عام إلى مصر

GMT 17:38 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيباني يؤكد التزام بلاده بتعزيز السلم الأهلي

GMT 02:39 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعيد التهديد بالتدخل العسكري ضد نيجيريا برًا أو جوًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab