الشعب لا يستطيع إسقاط النظام

الشعب لا يستطيع إسقاط النظام!

الشعب لا يستطيع إسقاط النظام!

 العرب اليوم -

الشعب لا يستطيع إسقاط النظام

طلال سلمان

لكم هم أبرياء، إلى حد السذاجة سياسياً، أولئك الشباب الذين اندفعوا مجموعات مجموعات إلى التظاهر ورفع الصوت بالهتاف المدوّي: الشعب يريد إسقاط النظام!
ومع الشهادة لهم بشجاعتهم في كسر جدار الصمت على الغلط، والتحرر من كثير من الولاءات ذات المرتكز الطائفي بل المذهبي ونزولهم إلى «الشارع» بشعارات عظمى استولدها ضيقهم بالنفايات وتأخر علاجها بالحسم الضروري وبالشفافية المطلقة، فضلاً عن سائر وجوه الأزمة الخانقة التي يعيشها اللبنانيون في ظل غياب الدولة بمؤسساتها، الرئاسة والمجلس النيابي المعطل والحكومة المهددة دائماً بالشلل.. فإن إسقاط النظام ـ في لبنان بالذات ـ مهمة جليلة لا تقوى على حملها أكتاف هؤلاء الشباب، ولا الشعب جميعاً، إذا ما اجتمع فأجمع.. وبالتالي يفضل التركيز على الهدف البسيط الممكن: حل أزمة النفايات!

ذلك أن «النظام» في لبنان قد يكون أقوى نظام في العالم، لأنه يستبطن أقوى القوى الدولية (والعربية)، ومن العبث الادعاء أن «الشباب» في تحركهم المبارك، وهو مطلبي ومحدد بالأساس وإن كان يؤشر إلى طموحات أسمى، قادر على إلحاق الهزيمة به... ومن ثم فإن استمرار النظام، ـ وهو، مع الأسف مؤكد ـ قد يرتد على هذا الحراك الشعبي الذي باغت السلطة كما باغت المشاركين فيه أنفسهم، فيأخذهم إلى اليأس.

وكما الانتفاضات العربية الأخرى، لم يكن للانتفاضة التي اجتاحت قلب بيروت، مرتين حتى الآن، مع وعد بثالثة، «قائد فرد» أو «قيادة جماعية» لتنظيم أو جبهة من الأحزاب والقوى الاجتماعية كالنقابات والهيئات ذات البرنامج النضالي المحدد والمؤهل لإعادة بناء السلطة على قاعدة المطلب السامي للشعب الذي «يريد إسقاط النظام». وها هي تلك الانتفاضات تعدل في واجهة النظام، حيث قامت، ولا تلغيه بسقوطه جميعاً.
وإنها لمصادفة غير مقصودة ولكن ما يفرض الالتفات إليها هو التزامن بين الحراك الشعبي في بيروت وإحياء ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه قبل سبع وثلاثين سنة، في النبطية، أمس.

في حينه، كان الشعار يتركز على إجبار النظام على تصحيح بعض عيوبه البنيوية بإدخال «الشيعة»، المحرومين، إليه، بعد دهر من التجاهل والإنكار والإهمال وعدم الاعتراف بموقعهم في وطنهم وبحقوقهم على دولته... ولقد أدخلهم النظام ـ بعد تدجينهم وتسليمهم به بكل عيوبه ـ إلى نعيمه من أجل استقراره وليس استجابة لمطالبهم وتوكيداً لعدالته واحترامه لحقوق «مواطنيه» عليه.

فالنظام قائم ـ بجوهره ـ بغض النظر عن رأي الشعب فيه، بل بغض النظر عن الشعب. ذلك أنه مجمع لشبكة مصالح دولية وعربية تستحق الحماية.
إن «النظام» القائم في لبنان محصن بتلك الآفة: الطائفية الكيانية، التي تلتهم الوطنية والقومية، تسخّف الاشتراكية ومبادئ العدالة الاجتماعية، فضلاً عن الدعم الدولي المفتوح، غرباً وشرقاً، عرباً وعجماً ويمكن إضافة الأتراك، وحتى العدو الإسرائيلي.

لهذا فإن «النظام» يستعصي على السقوط، وأقصى ما يمكن أن يقدمه في وجه الاعتراض الشعبي والمطالبة بحقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية هو التنازل عن بعض وجوه تمثيله لاستيعاب حركة الاعتراض قبل أن تتعاظم فتهدده بالسقوط (تجربة الرئيس فؤاد شهاب، مثلاً..) أو تحايله على التغيير بضم معترض كبير (مثل الطائفة الشيعية إلى النادي)، أو استمراره بعد تعديلات في الدستور في حصص الطوائف لا تبدل من طبيعته بل هي تزيد من مناعته: اتفاق الطائف ـ خريف 1989 وتطبيقاته التي عُدّلت في صيغة السلطة في دولته من دون أن تغيّر في طبيعته...

و «النظام» لا يعترف بالشعب. هو يعترف بالطوائف والمذاهب وترتكز «دولته» على توازنات يختلط فيها الطائفي بالسياسي وإن استندت جميعها إلى رعاية دولية بغطاء عربي. وهو لا يتعامل مع الشعب كوحدة اجتماعية ذات تاريخ واحد وهوية واحدة ومصالح وطنية واحدة.
بالمقابل، ونتيجة لظروف معقدة، ولمصالح دولية متقاطعة، تمت إقامة هذا الكيان بنظامه «الطوائفي» مع تراتبية صارمة... بحيث إن اللبنانيين ظلوا ممنوعين ـ لفترة طويلة ـ من أن يكونوا شعباً واحداً موحداً (لعلهم لم يصيروه بعد).. وهكذا قام بينهم «شعب» يعتبر أن هذا النظام قد اختير له بالذات، وتم تفصيله على مقاسه، وأن «الشعوب الأخرى» فائضة عن الحاجة وأن تنسيبها إلى النظام يفسده ويهدد ـ بالتالي ـ بتدمير الكيان الذي من أجله وحده كان وبقي ولسوف يبقى ليحمي «الأقلية»... من الأقليات الأخرى، فتظل «أقلية ممتازة ومميزة».

أما وأن «الأكثريات» قد دخلت فيه طالبة تصنيفها «أقليات» ومنحها بعض ما كان لذلك «الشعب» من «امتيازات» فهذه حرب إلغاء لموقعه المميز.
... إن إسقاط النظام، خصوصاً في لبنان، يتجاوز الأحلام إلى الوهم.. لا سيما في الظروف الحالية التي تهتز معها أركان أنظمة عدة في هذا الوطن العربي الذي غُيّب عنه أهله وتُرك مصيرهم لمن في البعيد غرباً وشرقاً.

وهذا ليس دفاعاً عن النظام ولادة الحروب الأهلية، ولا هو دفاع عن سلطة تكشف عجزها ـ مرة أخرى ـ في موضوع النفايات، لأسباب يعرفها الشباب جيداً ولا يجوز لإخلاصهم وبراءتهم ونقص تجربتهم أن تعميهم عنها فيضيع الهدف الآني والمباشر والممكن تحقيقه بقرار جدي في غياهب الدعوة لإسقاط نظام لا يسقط.. مع الأسف الشديد!

arabstoday

GMT 13:52 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة فاشلة؟

GMT 13:47 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحزاب ليست دكاكينَ ولا شللية

GMT 13:45 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

«أبو لولو»... والمناجم

GMT 13:44 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ونصيحة الوزير العُماني

GMT 13:42 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

GMT 13:41 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هل ينجح ترمب في إنقاذ إسرائيل من نفسها؟

GMT 13:39 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مصرُ... التى من أجلها تُشرقُ الشمسُ

GMT 13:37 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

من القصر إلى الشارع!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعب لا يستطيع إسقاط النظام الشعب لا يستطيع إسقاط النظام



شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:24 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
 العرب اليوم - هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 21:24 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 18:09 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بابا الفاتيكان يجدد دعوته لوقف إطلاق النار في السودان

GMT 02:58 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران تواجه خطر نفاد مياه الشرب بسبب "جفاف تاريخي"

GMT 03:04 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعتزم إعادة قطعة أثرية عمرها 3500 عام إلى مصر

GMT 17:38 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيباني يؤكد التزام بلاده بتعزيز السلم الأهلي

GMT 02:39 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعيد التهديد بالتدخل العسكري ضد نيجيريا برًا أو جوًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab