جثة تحت نافذة الكرملين

جثة تحت نافذة الكرملين

جثة تحت نافذة الكرملين

 العرب اليوم -

جثة تحت نافذة الكرملين

غسان شربل

 < كان يفترض أن أكتب عن موضوع آخر يخص الشرق الأوسط الرهيب. لكنها تشوّهات المهنة. أنا أحب قصص الاغتيالات. لا أقصد أبداً أنني أؤيد هذا الأسلوب في إسكات المعارضين. لكن الاغتيالات تستوقفني، خصوصاً حين يتعذّر الوصول إلى المنفّذين أو المخطّطين. يتضاعف فضولي حين أراقب عمليات التضليل التي تتبع الاغتيالات أو ترافقها. تضليل التحقيق أو الرأي العام ودفع التهمة في اتجاه مَنْ لم يرتكب الجريمة.
شاءت المصادفة أن تكون الاغتيالات حصدت عدداً لا بأس به من السياسيين الذين عرفتهم أو حاورتهم، وهم من جنسيات مختلفة. شاءت أيضاً أن تعترف قلة منهم بأنها رتّبت اغتيالات. واكتشفتُ من خلال متابعاتي أن ما يُقال عن أن الاغتيال أسلوب غير مجدٍ ليس صحيحاً. فاغتيال شخص يؤدي أحياناً إلى اغتيال مشروع بكامله. ويمكن أن يؤدي إلى تغيير اتجاه الرياح. وقد يكسر ظهر بلد أو طائفة أو تيار. ولاحظتُ أن ذكاء المخطّطين يفوق ما نعتقد، خصوصاً حين تغيب بصماتهم ويزرعون عمداً في مكان الجريمة بصمات تخص آخرين.
لا يحق لصحافي عربي أن يستقبل نبأ عملية اغتيال بالدهشة والاستغراب. تاريخنا مرصَّع بهذه الممارسات الفظّة. ثم إن الرواية الرسمية غالباً ما تعتبر المواطن المعارض جاسوساً أو خائناً. تعتبره نوعاً من السرطان، وتنظر إلى استئصاله كمهمة وطنية أو قومية. ولا مبالغة في القول أن جثث المعارضين تساهم في إطالة عهود الحكّام، لأنها تضع المواطن أمام خيار صريح: الصمت أو التحول جثة.
لنترك هذا الحديث الشائك جانباً. هذه المرة جاء الاغتيال من تربة غير تربتنا. استوقفني اغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف لأسباب كثيرة. كان يفترض أن يشارك البارحة في تظاهرة احتجاج على سياسات فلاديمير بوتين.
اغتيل الرجل على بعد عشرات الأمتار من نوافذ الكرملين. أي في منطقة يُفترض أنها تعج بكاميرات المراقبة والعيون التي تسهر. لفتني أن والدته نصحته قبل أسابيع بالتوقُّف عن مهاجمة سيد القصر، وأبدت خوفها على حياته. كثيراً ما تصدُق مخاوف الأمهات. لم يقتنع نيمتسوف بأن الصمت من شروط السلامة.
استحق نيمتسوف لقب العدو الأول. ثمة من يقول أن الرئيس السابق بوريس يلتسين فكّر في الرهان على نيمتسوف نائب رئيس الوزراء يومها لخلافته في الكرملين. لكن يلتسين اختار لاحقاً الوقوع في شباك الرجل الوافد من الـ «كي جي بي» وجهاز الأمن الذي ورثه وكان اسمه فلاديمير بوتين. للكراهية إذاً أسباب قديمة.
في عهد بوتين تحدى نيمتسوف آلة الهيمنة الإعلامية والتخويف. وراج في الأسابيع الأخيرة أنه يجمع الأدلة التي تؤكد أن القيصر يكذب على مواطنيه وعلى العالم، وأن جيشه متورط بزعزعة استقرار أوكرانيا والتلاعب بخريطتها، وأنه يتحمّل مسؤولية كاملة عن إعادة إطلاق رياح الحرب الباردة. رفع السياسي المعارض صوته ضد هيمنة الكرملين على الإعلام والقضاء والاقتصاد، وندَّد بالفساد وحُماته.
أطلقت عملية الاغتيال سيناريوات وتساؤلات. هل قُتِل نيمتسوف بسبب ما سمّاه أدلة على تورُّط بوتين في أوكرانيا؟ أم لأنه يهودي؟ أم بسبب حربه على الفساد؟ ولماذا اختار القاتل اصطياده على مقربة من نافذة الكرملين؟ وهل الغرض تأجيج مشاعر المعارضة أم إسكات الأصوات القليلة التي لا تزال تعاند؟ وهل الغرض تشويه صورة القيصر الذي سجّلت شعبيته ارتفاعاً مذهلاً بعد ضم القرم، وإطلاق أمواج جديدة من الكراهية ضد الغرب تسبّبت في عقوبات كشفت هشاشة الاقتصاد الروسي؟
أعاد اغتيال نيمتسوف التذكير باغتيالات دُفِنت في دفاتر الغموض والالتباس. اغتيال ألكسندر ليتفيننكو في لندن بجرعة بولونيوم مشعة. واغتيال الصحافية آنا بوليتكوفسكايا والتي أشارت أصابع الاتهام يومها إلى دور لميليشيات شيشانية يرعاها الرئيس رمضان قديروف، وهي ميليشيات جوّالة تدين بالولاء لقيصر الكرملين.
من التسرُّع اتهام أجهزة بوتين بالوقوف وراء اغتيال نيمتسوف، لكن الأكيد هو أن روسيا في طريقها إلى التحوُّل مُشكلةً لجيرانها ولأوروبا والغرب عموماً. واضح أن بوتين يؤمن بممارسة القوة في الداخل والخارج. يؤمن بأسلوب الكسر والخلع والابتزاز، مستفيداً من وجود رئيس أميركي ضعيف يتحدث عن شؤون العالم بلغة المحلّل لا بلغة رئيس القوة العظمى الوحيدة. تعاملت أميركا بصلف وجشع مع روسيا الخارجة من الركام السوفياتي، وها هو الرئيس الروسي يحاول أن يقتطع لبلاده أكبر جزء ممكن من الغابة الدولية.

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جثة تحت نافذة الكرملين جثة تحت نافذة الكرملين



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab