حماس في غزة… الحيوان قبل الإنسان

'حماس' في غزة… الحيوان قبل الإنسان

'حماس' في غزة… الحيوان قبل الإنسان

 العرب اليوم -

حماس في غزة… الحيوان قبل الإنسان

بقلم : خير الله خير الله

يعطي نقل الحيوانات التي كانت موجودة في حديقة في غزّة إلى إسرائيل فكرة عن الحال المزرية التي يعيش في ظلّها أهل القطاع منذ قرّرت “حماس” الاستيلاء عليه في مثل هذه الأيّام من صيف العام 2007.

وُجد أخيرا من يرأف بساكني حديقة الحيوانات في غزة، ولم يوجد للأسف من يرأف بأهل غزّة الذين تحولوا في السنوات التسع الأخيرة مادة تجارة لا أكثر بعد وضع “حماس” يدها على القطاع بدعم إيراني مكشوف في البداية.

استهدف هذا الدعم تعطيل أي أمل، ولو ضئيل في تحقيق سلام من جهة واستخدام القطاع قاعدة للانقضاض على مصر من جهة أخرى.

أخيرا، قررت سلطة الأمر الواقع في القطاع إغلاق حديقة الحيوانات التي كانت موجودة في خان يونس بحجة أنّه لم تعد لديها القدرة على توفير العناية بسكان هذه الحديقة ولا الإمكانات المادية لذلك. انتقل ما بقي من الحيوانات، وبينها نمر وخمسة سعادين، إلى إسرائيل عن طريق معبر اريتز.

كان هناك من استقبل الحيوانات وعددهم خمسة عشر بحفاوة. قسم سيبقى في إسرائيل وقسم آخر سينقل إلى الأردن وجنوب أفريقيا. تبيّن في نهاية المطاف أن هناك من هو مهتم بالحيوانات أكثر بكثير من اهتمامه بالمواطنين في غزّة الذين يعانون من حصارين؛ حصار “حماس” والحصار الإسرائيلي الذي ليس هناك ما يشير إلى نهاية قريبة له.

ليس عيبا أن تكون هناك رأفة بحيوانات حديقة خان يونس. مثل هذا التصرّف يشير إلى شعور إنساني في عالم ضاق بأهل غزّة من الآدميين ولم يعد يعرف ماذا يفعل بهم، باستثناء إذلالهم يوميا ونشر الجهل والتخلف بكل أشكالهما في صفوف الشباب الغزاوي.

مجرّد وجود مثل هذه الحديقة كان دليلا على وجود وجه حضاري لغزّة بعيدا عن ذلك الظلم والظلام والظلامية لدى “حماس” التي لديها شبق الإخوان المسلمين إلى السلطة. وهو شبق ليس بعده شبق.

كانت حديقة الحيوانات من مظاهر التقدم في غزّة التي تحمّلت الكثير تاريخيا بسبب ضيق مساحة القطاع والكثافة السكانية فيه، وهي كثافة من النوع النادر في العالم. هناك دراسات جدّية تؤكّد أن قطاع غزة لن يعود مكانا قابلا للحياة مع حلول السنة 2020.


من صنع مأساة غزّة حيث صار الحيوان يتقدّم على الإنسان؟ هناك عوامل عدّة أدت إلى وصول وضع القطاع إلى ما وصل إليه، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أن آلاف العائلات هاجرت إلى غزة من فلسطين بعد النكبة، عندما بدأت تظهر المخيمات في القطاع الذي بقي تحت السلطة المصرية حتّى العام 1967.

هذا كان في الماضي. لكنّ التاريخ الحديث يقول إنّ غزة بقيت تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى شهر آب ـ أغسطس من العام 2005، وذلك على الرغم من أن هذا الاحتلال كان يتمنى لو يجد البحر طريقة لابتلاع القطاع بمن فيه…

قرّر ارييل شارون، عندما كان رئيسا للوزراء الانسحاب من غزّة. تخلّى حتّى عن المستوطنات التي أقامتها إسرائيل وعن الأبنية والمنشآت التي كانت فيها. رحل الاحتلال عن غزّة من أجل تحقيق أهداف عدة لم يخفها مدير مكتب شارون وقتذاك وكان اسمه دوف فايسغلاس. قال فايسغلاس في حديث لصحيفة “هآرتس” إنّ شارون انسحب من القطاع “من أجل الإمساك بطريقة أفضل” بجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

لعبت “حماس” الدور المطلوب منها إسرائيليا. استثمرت في فوضى السلاح في وقت أظهرت السلطة الوطنية الفلسطينية ضعفا فاضحا إن على الصعيد السياسي وإن على الصعيد الأمني. أكثر ما يؤسف له أن القيادة الفلسطينية، ممثلة برئيس السلطة محمود عبّاس (أبو مازن) غابت عن غزّة بدل أن تكون حاضرة أكثر من أيّ وقت. ربّما كان “أبو مازن” منهمكا في ترتيب أوضاعه الداخلية، إذ عندما انسحبت إسرائيل من كلّ غزّة إلى الحدود الدولية لم تكن مضت سنة على وفاة ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي كان ارتكب خطأ تاريخيا تمثل في عسكرة انتفاضة العام 2000، ما سهل وصول ارييل شارون، عدوّه الشخصي، إلى رئاسة الحكومة.

في كلّ الأحوال، فوتت “حماس”، التي ما لبثت أن انتصرت على “فتح” وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية، كلّ فرصة لتحويل غزّة إلى نموذج لما يمكن أن تكون عليه الدولة الفلسطينية المسالمة التي تهتمّ برفاه الفلسطينيين وحتّى بحديقة الحيوانات في خان يونس. استطاعت “حماس” التي كانت مهتمة بتحويل غزّة بؤرة للإرهاب تقديم كلّ الخدمات المطلوبة إسرائيليا وذلك بدءا بالشعارات التي أطلقتها من نوع أن “فلسطين وقف إسلامي”. لم يوجد بين قياديي الحركة شخص عاقل يتساءل كيف يمكن تحرير فلسطين انطلاقا من غزّة؟

في الواقع، استخدم شارون الصواريخ التي كانت تطلقها “حماس” وأتباعها مثل “حركة الجهاد الإسلامي” من غزة ليقول إنّ “لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه”. سار بنيامين نتانياهو على الخط ذاته. لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي يستخدم هذا الشعار للهرب من خيار الدولتين، فيما العالم يصفّق له كلّما ردّ على صاروخ أو قذيفة تطلق من غزّة.

في السنة 2016، هناك من يهتمّ بحيوانات غزّة، فيما أهل غزة في حكم المنسيين. هذه هي نتيجة سنوات طويلة من حكم “حماس” للقطاع. استطاعت “حماس” تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني. لم يعد في غزّة من مكان لشاب يضحك أو لفتاة تلهو. لا وجود سوى للسواد والفقر والبؤس. لم يعد في غزّة جامعة أو مدرسة يدور فيها حوار على علاقة بما يدور في العالم. كلّ ما هناك حصار مستمرّ على غزّة يطال الإنسان ولا يطال الحيوان. هذه نتيجة طبيعية لممارسات تقوم على احتقار كلّ ما هو حضاري في هذا العالم من جهة ورفع الشعارات الطنانة التي تخدم إسرائيل من جهة أخرى.

خاضت “حماس” سلسلة من الحروب مع إسرائيل في غزّة. كان همّها في كلّ حرب من هذه الحروب إحراج مصر ولا شيء آخر غير ذلك. فشلت في ذلك فشلا ذريعا. كلّ ما حققته الحركة كان ضمان استمرار الحصار الذي هو مصلحة حمساوية ـ إسرائيلية في كلّ وقت من الأوقات.

بعد إطلاق سراح حيوانات حديقة خان يونس، ألا يوجد في “حماس” قيادي واحد يطرح على نفسه سؤالا جريئا في غاية البساطة من نوع: هل يستأهل الإبقاء على “إمارة غزّة” الطالبانية كلّ هذه التضحيات من الإنسان الفلسطيني المقيم في القطاع، علما أنّ هذا الإنسان صار يتمنّى لو كان مقيما في حديقة الحيوانات… قبل أن تغلق أبوابها؟

arabstoday

GMT 00:04 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«حماس» خسرت... وإسرائيل لم تربح

GMT 00:00 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 19:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 18:51 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

ردت إيران… لكنّ الثمن تدفعه غزّة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماس في غزة… الحيوان قبل الإنسان حماس في غزة… الحيوان قبل الإنسان



نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
 العرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 22:30 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

رانيا يوسف مطربة لأول مرة في عمل غنائي جديد

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سنة ثالثة شعر

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

مدخل إلى التثوير!

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أزرار التحكم... والسيطرة!

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

فيلبي وحفيدته سارة... وإثارة الشجون

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«رؤية 2030»: قارب النجاة في عالم مضطرب

GMT 13:58 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

GMT 18:07 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فرص للسلام في الشرق الأوسط!

GMT 00:04 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«إني متوفيك ورافعك»

GMT 17:57 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

‎الممر البحرى الأمريكى و٧ مخاوف مشروعة

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab