اكثر من حكم على ضابط سوري

اكثر من حكم على ضابط سوري

اكثر من حكم على ضابط سوري

 العرب اليوم -

اكثر من حكم على ضابط سوري

بقلم - خير الله خير الله

ليس الحكم بالسجن المؤبّد الذي صدر عن محكمة المانيّة على ضابط سوري يدعى أنور رسلان دين في قضية تعذيب وتسبب بقتل سجناء رأي سوى دليل على انّ العدالة الدوليّة ستلاحق النظام السوري واركانه مهما طال الزمن. لا يمكن لجريمة تتمثّل في قتل نصف مليون سوري وتهجير الملايين من أبناء الشعب، فضلا عن تهديم مدن وبلدات على رؤوس أهلها أن تمرّ مرور الكرام. سيأتي يوم يحاسب فيه اركان النظام الذي اسّسه حافظ الأسد في العام 1970 على جرائمه في حق سوريا والسوريين.

جاء الحكم الألماني، وهو أكثر من حكم قضائي، في وقت يتأكّد ان لا تراجع اميركيا عن الدفع في اتجاه مزيد من الضغط على النظام السوري. من المفيد الإشارة الى التعليق الذي صدر عن السفارة الاميركيّة في دمشق اثر صدور الحكم الالماني. جاء في التعليق: "نرحب بهذا الحكم كخطوة ايجابيّة في التحقيق مع المسؤولين عن الفظائع في سوريا ومقاضاتهم. إنّ المساءلة جزء لا يتجزّأ من حلّ دائم للصراع. نقف الى جانب الضحايا والناجين وعائلاتهم في السعي الى تحقيق العدالة".

تكمن مشكلة النظام السوري، بل ازمته العميقة، في انّه لا يستطيع إعادة تأهيل نفسه. لذلك هو مضطر دائما الى الهروب في اتجاه مزيد من الفظاعات تُرتكب في حق السوريين وفي حق سوريا. استطاع النظام، الذي كان وراء مجزرة حماة في مثل هذه الايّام من العام 1982، تغيير طبيعة تركيبة المدن السوريّة التي كانت أساسا سنّية بأكثريته مع وجود مسيحي قويّ. فعل ذلك في ظلّ الحقد الاعمى الذي كان حافظ الأسد يكنّه لأهل هذه المدن مثل دمشق وحمص وحماة وحلب واللاذقيّة، وهي مدن اصرّ بشّار الأسد على التعاطي معها من منطلق انّها مدن أُمكن تدجينها.

الأكيد ان سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة. ما هو موجود إصرار لدى النظام القائم على متابعة حربه على الشعب السوري من منطلق ان الحلف القائم بينه وبين "الجمهوريّة الاسلاميّة" الإيرانية هو الحلف الذي سينتصر. يراهن النظام على ان ايران ستتوصّل الى اتفاق مع الإدارة الأميركية في شأن ملفّها النووي وستتمكن من رفع العقوبات الأميركية عنها. يظنّ النظام ان الأموال الايرانيّة ستتدفق قريبا على سوريا. لا يدري ان "الجمهوريّة الاسلاميّة"، حتّى لو استطاعت فرض شروطها على اميركا، ليست جمعيّة خيريّة وان هناك ثمنا تريد قبضه في مقابل توظيفها مليارات الدولارات من اجل حماية النظام الاقلّوي الذي يقف على رأسه بشّار الأسد.

اكثر من ذلك، ليس بعيدا اليوم الذي سيجد النظام السوري نفسه في وضع لا يحسد عليه نتيجة لعبه ورقة ايران ضد روسيا وورقة روسيا ضدّ ايران. سيكون عليه ان يختار بين مراعاة الحلف الروسي – الإسرائيلي والسير في المشروع الإيراني الهادف الى تكريس وجود عسكري لـ"الجمهوريّة الاسلاميّة" وميليشياتها المختلفة، من بينها "حزب الله" في الجنوب السوري.

في هذه السياق، سياق الحماية التي يؤمنها الإيرانيون والروس للنظام السوري، كي يبقى بشّار الأسد في دمشق، هناك سؤال سيطرح نفسه بحدّة. هل يمكن لـ"الجمهوريّة الاسلاميّة" قبول أي صيغة لا تكون سوريا ورقة في يدها؟ الجواب انّ ذلك غير ممكن. يزيد الوضع السوري تعقيدا ان روسيا في حاجة دائمة الى استرضاء إسرائيل بغض النظر عن اسم رئيس الوزراء في الدولة العبريّة، اكان بنيامين نتانياهو او نفتالي بينيت المتوقع ان يخلفه يائير لابيد وزير الخارجية في ظلّ الاتفاق الذي تشكلت بموجبه الحكومة الاسرائيليّة الحاليّة. سيكون على روسيا في نهاية المطاف التوفيق بين إسرائيل وايران في سوريا. هل هذا ممكن؟ قد يكون ذلك ممكنا في حالة واحدة. تتمثّل هذه الحالة في تفاهم أميركي – إيراني على انسحاب تدريجي لـ"الجمهوريّة الاسلاميّة" من سوريا. مثل هذا الاتفاق سيعني، بين ما سيعنيه، موافقة ايران على الّا يقتصر أي اتفاق في شأن ملفّها النووي على هذا الملفّ، بل ان يتناول أيضا سلوكها خارج حدودها، خصوصا في سوريا. من الواضح انّ ايران غير مستعدة لذلك، اقلّه في المدى المنظور. بكلام أوضح، تبدو مصرّة على الاحتفاظ بورقتها السورية، خصوصا ان الأراضي السورية ممرّ الى "حزب الله" في لبنان.

في ظلّ تعقيدات الوضع السوري، يبدو ان إدارة بايدن اختارت متابعة ضغوطها على النظام. قد تكون سوريا المكان الوحيد الذي تبدو فيه الولايات المتحدة مرتاحة الى حدّ ما. اكثر من ذلك، تبدو سوريا المكان الوحيد الذي تستطيع إدارة بايدن القول انّها صادقة مع نفسها وانّها بالفعل مع حقوق الانسان وانّ لا مجال للتهاون مع نظام اخذ على عاتقه قتل شعبه بكلّ الوسائل المتاحة، بدءا بالتعذيب وصولا الى البراميل المتفجرة، مرورا بالسلاح الكيميائي.

يخطئ النظام السوري اذا استخفّ بالحكم الصادر عن المحكمة الالمانيّة. إنّه اكثر من حكم. إنّه دليل على أنّ أوروبا معنيّة بما يجري في سوريا وهي لم تتخلّ عن الشعب السوري كلّيا بعد. الاهمّ من ذلك كلّه انّه بدأت تظهر داخل الكونغرس الأميركي قوى تضمّ جمهوريين وديموقراطيين غير مستعدة لتمرير ايّ تراجع في مجال التعاطي مع النظام السوري. تصرّ هذه القوى على محاسبة النظام وعلى تشديد العقوبات عليه.

بعد ايّام قليلة، في شباط – فبراير المقبل، ستمرّ الذكرى الـ40 على مجزرة حماة. كانت تلك المجزرة منعطفا سوريا. ثبّت حافظ الأسد نظامه بالحديد والنار. اخمد الانتفاضة الشعبيّة في حلب وارهب اهل دمشق. ارهب الأطباء والمهندسين والمحامين والتجّار وكلّ من كان يفكّر في مستقبل افضل لسوريا بعيدا عن حكم الأجهزة الامنيّة والقمعيّة.

بعد أربعين عاما، لم ينس السوريون حماة. لن ينسوا طبعا من قتل وشرّد وعذّب كلّ من قال لا لنظام جائر لا يمتلك أي شرعية من أي نوع. هذا ما يعرفه العالم المتحضّر. لعل اكثر ما يعرفه هذا العالم أنّ النظام لا يستطيع الخروج من حماية ايران. لم تكن محاكمة الضابط السوري في المانيا سوى بداية في طريق طويل ليس معروفا اين ستكون سوريا في نهايته... هل يمكن ان تبقى ورقة ايرانيّة ام لا؟

arabstoday

GMT 18:42 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

المخادعون

GMT 18:40 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

«النتيتة» والصواريخ وفيتامينات الشرح

GMT 19:29 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

المعايير الأمريكية بين غزة والسودان

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

العقاد يبيع مكتبته

GMT 19:05 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

درس «خصوصي»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اكثر من حكم على ضابط سوري اكثر من حكم على ضابط سوري



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:31 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

شهداء وجرحى في قصف جوي إسرائيلي على قطاع غزة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 6.4 درجة يضرب جنوب غرب اليابان

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

مصرع وإصابة 102 شخص في أفغانستان جراء الفيضانات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab