أزمة روسيا في سورية

أزمة روسيا في سورية

أزمة روسيا في سورية

 العرب اليوم -

أزمة روسيا في سورية

بقلم : خير الله خير الله

بعد شهرين تقريبا، في أواخر أيلول – سبتمبر المقبل تحديدا، يمر عامان على التدخل الروسي المباشر في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. أدى التدخل الروسي إلى تفادي سقوط الساحل السوري ومعه المنطقة العلوية في وقت كانت دمشق مهددة بدورها، فيما كانت حلب، في معظمها، تحت سيطرة المعارضة. باختصار شديد، حالت روسيا بفضل سلاحها الجوي دون سقوط النظام في ما يسمّى ظلما “سوريا الأسد”.

تدخّلت روسيا، بطلب إيراني، لمصلحة نظام لا وجود لأيّ شرعية له، اللهم إلا إذا كانت الانقلابات العسكرية التي تحرّكها نزعة طائفية ومذهبية، إضافة إلى حقد للريف على المدينة، يمكن أن تؤسس لأي شرعية من أيّ نوع كان.

كيف يمكن لنظام حافظ الأسد ووريثه بشّار أن يكون شرعيا، ما دام هذا النظام يُعتبر الابن الشرعي لانقلاب عسكري حصل في الثامن من آذار – مارس 1963. هل يكفي أن يكون النظام الابن الشرعي لانقلاب عسكري كي يصبح صاحب شرعية ما تعترف بها دولة مثل روسيا أو إيران؟

جاء الانقلاب في العام 1963 لضرب محاولة أخيرة لإنقاذ سوريا من حكم العسكر ومن حزب البعث المتخلّف الذي استخدمه ضباط سوريون من كلّ الطوائف، في البداية، ثمّ ضباط علويون لتنفيذ مآربهم. توجت تلك المآرب بتفرد حافظ الأسد بالسلطة ابتداء من خريف العام 1970 وصولا إلى توريث نجله في صيف العام 2000 تمهيدا لقيام حكم العائلة بديلا من حكم الرجل الواحد الذي يجمع حوله النافذين في الطائفة أو المنضوين تحت راية هؤلاء من رجال أعمال من سنّة الريف أو بعض التجار من سنّة المدن.

لا مفرّ من الاعتراف بأنّ التدخل العسكري الروسي المباشر الذي شمل إرسال طائرات لقصف المدن السورية، مع تركيز خاص على المدارس والمستشفيات، أنقذ النظام السوري من السقوط العلني في وقت لم تكن هناك سياسة أميركية واضحة باستثناء عمل كلّ شيء من أجل عدم إغضاب إيران. كان الملف النووي الإيراني محور السياسة الأميركية في السنوات الأربع الأخيرة من عهد باراك أوباما.

المهمّ بالنسبة إلى الرئيس الأميركي السابق حماية الاتفاق المرتبط بهذا الملف وما سبقه من مفاوضات بعضها سرّي وبعضها الآخر علني.

استغلت روسيا، في مرحلة زمنية معيّنة، بذكاء شديد كلّ الثغرات التي وجدتها أمامها وذلك كي تثبت أنّها ما زالت تمتلك موطئ قدم في الشرق الأوسط، أي على الساحل السوري. عرف الرئيس فلاديمير بوتين كيف يستفيد من تردّد إدارة أوباما وحال الانكفاء التي ميزت إدارة الرئيس الأسود الأوّل للولايات المتحدة.

لم يكتف بوتين بتثبيت الوجود العسكري الروسي في سوريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ بدأ الضباط الروس يشرفون على قطاعات عدّة في سوريا، بما في ذلك إعادة تنظيم فرق معيّنة في الجيش النظامي الذي تبيّن مع الوقت أن لا أمل في إعادة الحياة إليه ما دام النظام الحالي قائما، وما دامت الميليشيات المذهبية التي أرسلتها إيران تسرح وتمرح في الأراضي السورية.

كان همّ روسيا محصورا في إثبات أنّها ما زالت قوّة عظمى. نجحت في ذلك لبعض الوقت فقط. لكن ما تبيّن مع تطوّر الأحداث هو أن رهانها على أوباما وإدارته ما لبث أن ارتدّ عليها. استطاعت إدارة بوتين إقامة تحالفات كثيرة في المنطقة، بما في ذلك مع تركيا.

عرفت موسكو كيف تلعب الورقة التركية في وقت كان رجب طيب أردوغان يواجه صعوبات كبيرة إنْ على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة أو نتيجة وضعه الداخلي والمنافسة القائمة بينه وبين فتح الله غولن المتهم بأنّه وراء المحاولة الانقلابية عليه… أو بسبب الأكراد وطموحاتهم ومخاوف تركيا منها.

انتقلت روسيا من طرف قوي قادر على أخذ المبادرة في سوريا إلى طرف عليه تجميع أكبر عدد من الأوراق لإقناع إدارة دونالد ترامب بالدخول في صفقة معه. يحصل ذلك في وقت لم ترسم بعد إدارة ترامب على الرغم من مضي ستة أشهر على دخوله إلى البيت الأبيض سياسة سورية محدّدة. اكتفت إدارة ترامب، إلى الآن، بتعزيز قواتها في سوريا ودعم المقاتلين الأكراد في مناطق سورية معيّنة مثل الرقّة.

في انتظار كشف الولايات المتحدة عن سياستها السورية، يظهر جليّا أن الوقت لا يعمل لمصلحة الروسي أو الإيراني. حددت أميركا خطوطا حمرا في التنف وحولها وأقامت مطارات عسكرية عدّة. لديها حاليا نحو عشرة آلاف جندي في الأراضي السورية.

في المقابل، تبدو موسكو أسيرة لعبة لم تكن قادرة منذ البداية على خوضها والذهاب فيها إلى النهاية، لا لشيء سوى لأنها لا تمتلك اقتصادا قويّا يسمح لها بذلك.

يبدو واضحا أن روسيا لم تتعلّم من تجربة الاتحاد السوفياتي. ماذا إذا استمر سعر برميل النفط في الهبوط؟ ماذا إذا فرضت الولايات المتحدة عليها عقوبات جديدة؟ ليس ما يشير إلى أن إدارة ترامب غير مستعدة لذلك. هناك هاجس لجوء الكونغرس إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا يجعلها خارج النظام المصرفي العالمي الذي تتحكّم به أميركا.

تعرف إيران جيّدا ماذا تعني عقوبات من نوع الخروج من النظام المصرفي العالمي. الأكيد أن روسيا لا تريد أن تجد نفسها في وضع إيران التي تعاني في الوقت ذاته من عجز عن استيعاب معادلة في غاية البساطة. هذه المعادلة هي أن ليس في استطاعة أنظمة ودول لا تمتلك اقتصادا قويّا لعب أدوار تفوق حجمها.

تستطيع أميركا أن تنتظر. ما همّها إذا بقيت سوريا موحّدة أم تفتتت. كذلك الأمر بالنسبة إلى إسرائيل الفرحة بالتورط الروسي والإيراني في سوريا وستكون فرحة أكثر بالتورط التركي. ليس لدى إسرائيل ما تقلق في شأنه ما دام الروسي مستعدا كلّ يوم لمراضاتها حرصا على إبقائها جسرا من جسور الوصول إلى إدارة ترامب.

يظل السؤال الذي سيفرض نفسه في نهاية المطاف هل لدى روسيا ما تبيعه لإدارة ترامب وذلك في وقت تشير كلّ المعطيات إلى أن إدارة بوتين لم تعد متماسكة كما في الماضي بسبب التدهور المستجد على الوضع الاقتصادي الروسي.

ماذا يجري في روسيا؟ ماذا يجري في إيران؟ ماذا يجري في تركيا التي تبدو مستعدة لإرسال قوات إلى داخل سوريا بسبب الأكراد؟ الثابت أن كلّ المتورطين على الأرض السورية في حيرة من أمرهم باستثناء الأميركي الذي لا يمتلك القدرة على الانتظار فحسب، بل على اعتبار أن رأس بشّار الأسد لم يعد ورقة، بغض النظر عن الاستعراضات المضحكة المبكية التي يقوم بها رئيس النظام بين وقت وآخر. استطاعت روسيا أن تبقيه في دمشق. هل يحل ذلك أي مشكلة من مشاكل سوريا؟ هل يحلّ مشكلة غياب أي أفق للوجود العسكري الروسي في غياب الرغبة الأميركية بحصول صفقة ما بين موسكو وواشنطن؟

حسنا، منعت روسيا نظاما صار في مزبلة التاريخ من السقوط العلني. هل هذه سياسة أم خزعبلات لا تلجأ إليها سوى الدول التي لا تعرف حقيقة ما تستطيع تحقيقه وحقيقة ما لا تستطيع تحقيقه؟ وأين يجب أن تكفّ عن لعب أدوار أكبر من حجمها؟ إنّها بالفعل أزمة روسيا في سوريا.

المصدر : صحيفة العرب لندن

arabstoday

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيّر "حزب الله" ولم تتغيّر إيران!

GMT 06:29 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 06:26 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 04:35 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 03:26 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة روسيا في سورية أزمة روسيا في سورية



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - السعودية اليوم

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت
 العرب اليوم - نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 23:24 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية
 العرب اليوم - غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية
 العرب اليوم - أنباء انفصال هنادي مهنا وأحمد خالد صالح تثير الجدل من جديد

GMT 15:46 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي

GMT 21:22 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل واسع في المغرب بسبب التكريمات المتكررة لليلى علوي

GMT 03:55 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع في واشنطن ضمن زيارة رسمية يجتمع خلالها مع ترامب

GMT 22:48 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 11:15 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيفا يطلق جائزة للسلام وسط توقعات بفوز ترامب

GMT 11:55 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"أوبن أيه آي" تسارع لطمأنة المستثمرين بشأن وضعها المالي

GMT 14:33 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 وصفات طبيعية لإزالة السموم ودعم وظائف الكلى

GMT 19:39 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 08:23 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج​ اليوم السبت 08 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 12:00 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

روبوت يرسم خرائط ثلاثية الأبعاد في ثوانٍ لأماكن الكوارث

GMT 13:38 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية تستهدف جنوب لبنان وتودي بحياة مواطن

GMT 08:34 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تتأثر الأبراج الفلكية على طريقة تعبيرها عن المشاعر

GMT 22:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تبدأ تقليص استدعاءات جنود الاحتياط

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق

GMT 10:05 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تعلّق على افتتاح المتحف المصري الكبير
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab