نسيب لحّود… الغياب والحضور

نسيب لحّود… الغياب والحضور

نسيب لحّود… الغياب والحضور

 العرب اليوم -

نسيب لحّود… الغياب والحضور

بقلم - خير الله خير الله

بعد ست سنوات على غياب نسيب لحود، يفتقده لبنان أكثر فأكثر. قليلون الرجال الذين كلّما طال غيابهم زاد حضورهم وزادت الحاجة إليهم، خصوصا في ظلّ الفراغ الأخلاقي الذي يعاني منه لبنان.

يفتقد رئيسا كان يستطيع نقل البلد من مكان إلى آخر وأن يعيد إلى لبنان أكثر ما هو في حاجة إليه، أي إلى الاتزان والتوازن، فضلا عن الشفافية في طبيعة الحال. كانت أهمّية نسيب لحود تكمن في أنّه كان قادرا على أن يكون الرئيس القدوة الذي لا يفرّق بين لبناني وآخر، الرئيس القادر على أن يكون فوق السياسات الصغيرة والسياسيين الصغار الذين يستطيعون الوصول إلى مجلس النوّاب بفضل الغرائز المذهبية وما شابهها من صغائر بقي نسيب لحّود فوقها.

كان يؤخذ على نسيب لحّود أنّه نخبوي. هذا صحيح إلى حدّ كبير. كان نخبويا في قدرته على تأسيس حزب ليس فيه سوى الأوادم من الطوائف والمذاهب والمناطق اللبنانية. كان فيه السنّي والشيعي والمسيحي والدرزي.

كان فيه الغني والفقير والمتوسّط الحال. فـ”حركة التجدد الديمقراطي” ما زالت تضمّ أولئك القادرون على الانتماء إلى مجموعة مسالمة ترفض السلاح. هؤلاء الخارقون للطوائف يشكّلون قلة في لبنان، حتّى بين شباب لبنان، لكنّهم كانوا القدوة في كلّ مجال من المجالات. كانوا قدوة في التفوق وضرب المثل في الشجاعة، شجاعة تحدّي وضع بائس فرضته أحزاب طائفية تتاجر بالناس وبكلّ ما يمتّ إلى الأخلاق والقيم بصلة.

كان ممنوعا على نسيب لحود أن يصبح رئيسا للجمهورية في لبنان في عصر ما بعد قيام الميليشيات وما بعد سقوط المتن في حال الشعبوية البائسة التي توصل إلى مجلس النواب أشخاصا لا يستأهل معظمهم أن يكونوا حجابا لدى نسيب لحود.

لم يعد مسموحا للبنان سوى أن يأتي برؤساء يقبلون سلفا الشروط التي وضعت لهم. كان نسيب لحّود من طينة أخرى. لم يكن يستطيع قبول أن يكون سوى نسيب لحود، أي السياسي المستقلّ النظيف الكفء والمهندس الناجح الذي أسس شركة مقاولات تهتم بالكهرباء استطاعت أن تعمل في أنحاء مختلفة من العالم العربي.

حقّقت شركة نسيب لحّود نجاحا كبيرا. نفّذت مشاريع محطّات كهربائية في لبنان خلال مرحلة معيّنة. ولكن في اليوم الذي أصبح فيه نسيب لحّود نائبا، مطلع تسعينات القرن الماضي بعد تولي موقع السفير في واشنطن لفترة قصيرة، اتخذ قراره الواضح القاضي بالامتناع عن العمل في البلد. صار ممنوعا على شركته أخذ أي التزام في لبنان حتّى لا يقال عنه إنّه خلط بين الأعمال والمقاولات… والسياسة.

انتمى نسيب لحّود إلى فئة مختلفة من السياسيين اللبنانيين الكبار الذين يستأهلون لقب رجل الدولة. كان من بين الذين ظلموا على الصعيد الشخصي، لا لشيء سوى لأنهم لم يتمكنوا من خدمة وطنهم كما يجب. كم هو مصيب من قال إن نسيب لحود كان “الرئيس الحلم”.
أمثال نسيب لحود من الخارقين للطوائف قليلون في لبنان

لم يكن اللبنانيون يستأهلون أن يكون نسيب لحّود رئيسا للجمهورية. كلّ ما في الأمر أنّهم خذلوه. خذلوه لأنه لم يكن مستعدا للنزول إلى مستوى المزايدات المذهبية والطائفية الصغيرة. رفض بكلّ بساطة أن يعد الناخبين بما لا يستطيع أن يوفّره لهم. رفض الكذب. خذله اللبنانيون في المتن، بل عاقبوه، نظرا إلى أنّه كان سيرفع من مستوى الجمهورية ومن مستوى العمل السياسي في لبنان بعيدا عن كلّ ما له علاقة بالسمسرات والمحسوبية والكلام الرخيص والبذيء.

من بين المشاكل التي يعاني منها اللبنانيون أنه ليس مسموحا لهم حتّى بأن يحلموا. أن يحلموا بنائب مستقلّ فعلا وبرئيس للجمهورية ليس مدينا لأحد بشيء، رئيس للجمهورية يعرف تماما ماذا يدور في البلد وما هي تركيبته ويعرف خصوصا ماذا يدور في الإقليم والعالم.

يظلّ نسيب لحود من السياسيين اللبنانيين القلائل الذين ينتمون إلى تلك النخبة العالمية التي يستطيع رجالها إلقاء خطاب قيّم في الأمم المتحدة أو إجراء محادثات مع رئيس أميركا أو رئيس روسيا أو رئيس فرنسا أو مستشارة ألمانيا أو مع مسؤولين عرب لامعين على تماس مع كلّ ما هو حضاري في العالم.

كان نسيب يطرح الأسئلة. كان يعرف أنّه لا يعرف كلّ شيء. كان لديه تواضع الواثق من نفسه والقادر على استيعاب القضايا المعقّدة. أهمّ ما في الأمر أنّه كان يعرف من هو الشخص المختص الذي يستطيع أن يستفهم منه عن أمر أو موضوع ما. كان في ذلك يشبه إلى حدّ كبير رفيق الحريري الذي لم يكن يستحي من قول عبارة: لا أعرف. كان يقولها من أجل أن يعرف أكثر.

غيّب الموت نسيب لحود باكرا. كانت أمامه سنوات عدّة كان قادرا خلالها أن يخدم لبنان من أيّ موقع يشغله، حتّى من خارج المجلس النيابي حيث يشهد له خصومه قبل مؤيديه ومحبّيه بأنّه كان أفضل من فنّد البيانات الوزارية ومشاريع القوانين المطروحة على النقاش بلغة الأرقام وأسلوب عملي وعلمي.

قدر لبنان أن يُظلم مثلما ظُلم نسيب لحّود. لا مكان في لبنان للرجال الذين يرفضون أن يكونوا تابعين لأيّ جهة خارجية ولا مكان فيه لسياسيين عابرين للطوائف يؤمنون بالعدالة الاجتماعية والمشاريع الكبيرة.

لذلك لم يستطع ريمون ادّه أن يكون رئيسا للجمهورية. كان ريمون ادّه أكبر من رئاسة الجمهورية التي رفضها عندما عرضت عليه لأنّه لا يمكن لابن اميل ادّه أن يكون رهينة عند أحد، لا داخل لبنان ولا خارجه.

في تاريخ لبنان الحديث رؤساء للجمهورية استطاعوا ممارسة فعل البناء. كم كان كميل شمعون، على الرغم من الأخطاء السياسية التي ارتكبها، رجلا عظيما بما نفّذه من مشاريع على كلّ المستويات. من مشروع الليطاني إلى مهرجانات بعلبك. كم هي مسكينة بعلبك بعد كلّ الذي أصابها وكم هو حزين الليطاني بعد كلّ ما حلّ بمجراه…

إذا كان من إدارة لبنانية، صمدت، فهذه الإدارة بنيت في عهد فؤاد شهاب الذي حاول نقل لبنان من مكان إلى آخر عبر بناء إدارة لدولة حديثة مستعينا بأفضل الخبراء اللبنانيين والفرنسيين.

كان هاجس تنمية كلّ المناطق اللبنانية حاضرا عند فؤاد شهاب. كان نسيب لحّود يجمع بين أفضل ما في شخصيتي كميل شمعون وفؤاد شهاب في آن. كان نسيب لحود ضرورة، أقلّه من أجل إعادة عجلة البناء والإعمار التي توقّفت يوم اغتيال رفيق الحريري ومن أجل أن يكون في قصر بعبدا شخص يمكن الاقتداء به على كلّ الصعد.

لكن ما العمل عندما يكون لبنان مشلولا وعندما لا يعود فيه مكان للناجحين والمتّزنين… وعندما يخذل أهل المتن نسيب لحود وهم لا يعرفون أو يدركون أنّهم خذلوا أنفسهم أوّلا.

نسيب لحّود باق في ذاكرة كلّ لبناني كان يحلم بوطن بدأ يعود إلى الحياة مع عودة الحركة إلى بيروت أيّام رفيق الحريري. فإذا بهذا المواطن يجد نفسه يدور في حلقة مغلقة. تجعل هذه الحلقة كلّ مواطن، حريص على مستقبل أولاده ويرفض أن يكون عبدا لدى زعيم طائفته، يسعى إلى الفرار من سفينة تغرق اسمها لبنان…

المصدر : جريدة العرب

arabstoday

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيّر "حزب الله" ولم تتغيّر إيران!

GMT 06:29 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 06:26 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 04:35 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 03:26 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نسيب لحّود… الغياب والحضور نسيب لحّود… الغياب والحضور



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - السعودية اليوم

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت
 العرب اليوم - نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 15:46 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - أنباء انفصال هنادي مهنا وأحمد خالد صالح تثير الجدل من جديد

GMT 21:22 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل واسع في المغرب بسبب التكريمات المتكررة لليلى علوي

GMT 03:55 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع في واشنطن ضمن زيارة رسمية يجتمع خلالها مع ترامب

GMT 22:48 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 11:15 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيفا يطلق جائزة للسلام وسط توقعات بفوز ترامب

GMT 11:55 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"أوبن أيه آي" تسارع لطمأنة المستثمرين بشأن وضعها المالي

GMT 14:33 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 وصفات طبيعية لإزالة السموم ودعم وظائف الكلى

GMT 19:39 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 08:23 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج​ اليوم السبت 08 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 12:00 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

روبوت يرسم خرائط ثلاثية الأبعاد في ثوانٍ لأماكن الكوارث

GMT 13:38 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية تستهدف جنوب لبنان وتودي بحياة مواطن

GMT 08:34 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تتأثر الأبراج الفلكية على طريقة تعبيرها عن المشاعر

GMT 22:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تبدأ تقليص استدعاءات جنود الاحتياط

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab