لماذا قمّة جدّة ليست حدثا عابرا

لماذا قمّة جدّة ليست حدثا عابرا

لماذا قمّة جدّة ليست حدثا عابرا

 العرب اليوم -

لماذا قمّة جدّة ليست حدثا عابرا

بقلم : خير الله خير الله

لم تكن قمة جدة التي أسفرت عن توقيع اتفاق سلام إثيوبي-إريتري، برعاية سعودية، مجرد حدث عابر. إنها دليل على وجود نية في الذهاب بعيدا في إقامة شبكة أمنية متكاملة تحمي مصالح دول المنطقة.

اتفاق السلام جاء تتمة للمصالحة بين البلدين بعد قطيعة

قبل أربع سنوات، يوم الواحد والعشرين من أيلول-سبتمبر 2014، دخلت الأزمة اليمنية مرحلة جديدة مختلفة كليا عن كلّ ما سبقها. يومذاك، سيطر الحوثيون (أنصار الله) على صنعاء بغية بلوغ هدف واضح ذي شقين. يتمثّل هذا الهدف في تحقيق طموحات الحوثيين الذين أرادوا إقامة نظام جديد على أنقاض “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962” من جهة، وتحويل اليمن إلى قاعدة إيرانية في المنطقة من جهة أخرى.

بعد أربع سنوات على سقوط صنعاء، وفي وقت احتدمت معركة الحديدة بأبعادها الإستراتيجية، نجد أنّه كان هناك استيعاب خليجي لخطورة الحدث الصنعاني، الذي صار عمره أربع سنوات، ولأبعاده.

دقّ الاحتلال الإيراني، عبر “أنصار الله” لصنعاء جرس الإنذار في الخليج العربي كلّه. هناك استيعاب لخطورة الحدث ليس على الصعيد اليمني فحسب، بل على صعيد المنطقة كلّها أيضا. وهذا ما يفسّر جانبا كبيرا من التحرّك العربي في اتجاه إقامة شبكة أمنية متكاملة في المنطقة تحمي دولها وتشمل الدول المطلة على البحر الأحمر، خصوصا دول القرن الأفريقي.

توّج هذا التحرّك الخليجي بالقمة التي انعقدت في جدّة برعاية الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل أيّام قليلة. شهدت القمّة، التي كانت “حدثا تاريخيا” باعتراف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، توقيع اتفاق سلام بين الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي الذي يمتلك عقلا متطورا بالفعل.

جاء اتفاق السلام تتمة للمصالحة بين البلدين بعد قطيعة، ذات طابع عبثي، استمرّت عشرين عاما. دفع في اتجاه تلك المصالحة، أي في اتجاه العودة إلى لغة المنطق، الشيخ محمد بن زايد، وليّ العهد في أبوظبي، الذي لعب دورا محوريا في ترتيب اللقاء الذي انعقد بين أفورقي وآبي أحمد علي في أسمرة في تموز-يوليو الماضي تمهيدا للقمة الثلاثية التي انعقدت في أبوظبي لاحقا استعدادا للقاء جدّة برعاية العاهل السعودي.

قبل السيطرة الكاملة للحوثيين على صنعاء، كان علي عبدالله صالح، الذي عاد إلى العاصمة اليمنية من رحلة علاج طويلة في المملكة العربية السعودية، أوّل من تنبّه إلى خطورة وضع “أنصار الله” يدهم على المدينة، وما سيترتب على ذلك. قبل أيّام من بلوغهم العاصمة التي زحفوا إليها عبر محافظة عمران، بعث الرئيس اليمني الراحل الذي اغتاله الحوثيون في الرابع من كانون الأوّل- ديسمبر 2017 برسالة إلى الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي. دعاه في الرسالة التي نقلها أربعة من قياديي “المؤتمر الشعبي العام”، هم يحيى الراعي وعارف الزوكا وسلطان البركاني وياسر عواضي، ما زال ثلاثة منهم أحياء يرزقون، إلى التصدي لـ”أنصار الله” في عمران. رفض عبدربّه الذي كان يسيطر على الجيش اليمني سيطرة شبه تامة النصيحة رفضا كلّيا. اعتبر أنّ تصفية حسابات قديمة بين علي عبدالله صالح والحوثيين ليست من مهمّاته. كشفت الأحداث أن منطق الرئيس الانتقالي لم يكن منطقا سليما، وأن المسألة لم تكن مسألة حسابات شخصية لعلي عبدالله صالح فقط. كانت لدى الرجل الذي حكم اليمن ثلاثة وثلاثين عاما حسابات مرتبطة بما سيفعله الحوثيون في مرحلة لاحقة. كان هدفهم اليمن كلّه، وليس الشمال وحده.

لا يمكن الفصل بين اليمن والمشروع الإيراني الذي واجهته “عاصفة الحزم” ابتداء من آذار-مارس 2015، أي بعد ستة أشهر من استيلاء الحوثيين على صنعاء وإعلان زعيمهم عبدالملك الحوثي عن قيام نظام جديد يستعيد النظام الإمامي ولكن بغطاء إيراني. بالنسبة إليه، حلّت “ثورة 21 سبتمبر” مكان “ثورة 26 سبتمبر” التي أعلنت الجمهورية. باشر الحوثيون كتابة التاريخ الجديد لليمن. هل هذا ممكن في بلد لا يحتاج بأي شكل إلى شعارات متخلّفة من نوع “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، بمقدار ما يحتاج إلى برامج تكافح الفقر والجوع والمرض والأمّية… وتعيد الأمل بحياة أفضل للمواطن العادي؟

لم يكن ممكنا مواجهة الانقلاب الذي نفّذه “أنصار الله” الذين انطلقوا في اتجاه عدن كما سيطروا على ميناء المخا بنية امتلاك القدرة على إغلاق مضيق باب المندب من زاوية يمنية ضيّقة. لذلك، كان مطلوبا عدم الاكتفاء باستعادة عدن والمخا من “أنصار الله”، بل الاتجاه نحو الحديدة. في موازاة ذلك، كان لا بدّ من ترتيب الأوضاع في كلّ المنطقة المحيطة باليمن الذي يمتلك شاطئا يبلغ طوله نحو 2500 كيلومتر.

ليست عملية إعادة ترتيب العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا سوى خطوة مهمّة بين خطوات أخرى تصبّ في اتجاه بناء منظومة أمنية متكاملة تغطي كلّ طرق الملاحة في المنطقة ومحيطها. ما قامت به المملكة العربية السعودية عبر قمة جدّة، ذات الأهمّية الاستثنائية، يشكّل أساسا لسياسة جديدة تقوم على أخذ المبادرة في التصدي لإيران ولمشروعها التوسّعي.

قبل كلّ شيء، تفتح المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا الأبواب أمام تعاون مع جيبوتي وإعادة ترتيب أوضاع الصومال. لا يمكن لخطوات من هذا النوع إلا أن تنعكس إيجابا على انخراط السودان، بشماله وجنوبه، في إطار حماية الأمن الإقليمي. في مرحلة لاحقة لا يمكن لمصر إلا أن تكون شريكا في كلّ هذه الترتيبات التي يمكن أن تستفيد منها الدولة العربية الأكبر على غير صعيد.

من بين ما يمكن أن تستفيد منه مصر مزيد من التنسيق مع السودان وإثيوبيا في تقاسم مياه النيل بشكل لا يضرّ أي دولة من الدول التي يمرّ فيها هذا النهر الذي يشكل شريان الحياة لها. فوق ذلك، ثمة مصلحة لمصر في إقامة أفضل العلاقات مع دول القرن الأفريقي لأسباب مرتبطة بالملاحة في قناة السويس. أمن البحر الأحمر جزء لا يتجزّأ من الأمن المصري لا أكثر ولا أقلّ.

في ضوء كل هذه المعطيات، لم تكن قمة جدة التي أسفرت عن توقيع اتفاق سلام إثيوبي-إريتري، برعاية سعودية، مجرّد حدث عابر. إنها دليل على وجود نية في الذهاب بعيدا في إقامة شبكة أمنية متكاملة تحمي مصالح دول المنطقة. مثل هذه الشبكة الممتدة من بحر العرب إلى خليج عدن إلى البحر الأحمر، في حاجة إلى إنهاء معركة الحديدة في أسرع ما يمكن. فكلّما مرّ يوم، يتبيّن كم أن الحديدة مهمّة لإيران والحوثيين من نواح عدّة. من بين هذه النواحي القدرة على استخدام الميناء من أجل اعتراض سفن أو ناقلات في البحر الأحمر. يحدث كلّ ذلك في وقت تسعى إيران إلى امتلاك أكبر عدد من الأوراق، التي تعتبرها أوراق ضغط، تستطيع استخدامها في الردّ على الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية الجديدة التي تمسّ بتصدير النفط ابتداء من الأسبوع الأول من تشرين الثاني-نوفمبر المقبل!

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 22:14 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

أخبار عن اللاساميّة وماليزيا وآيا صوفيا

GMT 00:18 2020 الأربعاء ,05 آب / أغسطس

رسالة إسرائيلية.. أم إنفجار؟

GMT 03:49 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الموجة الجديدة من الحراك العربي

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا قمّة جدّة ليست حدثا عابرا لماذا قمّة جدّة ليست حدثا عابرا



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - السعودية اليوم

GMT 23:24 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية
 العرب اليوم - غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية

GMT 15:46 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - أنباء انفصال هنادي مهنا وأحمد خالد صالح تثير الجدل من جديد

GMT 21:22 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل واسع في المغرب بسبب التكريمات المتكررة لليلى علوي

GMT 03:55 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع في واشنطن ضمن زيارة رسمية يجتمع خلالها مع ترامب

GMT 22:48 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 11:15 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيفا يطلق جائزة للسلام وسط توقعات بفوز ترامب

GMT 11:55 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"أوبن أيه آي" تسارع لطمأنة المستثمرين بشأن وضعها المالي

GMT 14:33 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 وصفات طبيعية لإزالة السموم ودعم وظائف الكلى

GMT 19:39 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 08:23 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج​ اليوم السبت 08 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 12:00 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

روبوت يرسم خرائط ثلاثية الأبعاد في ثوانٍ لأماكن الكوارث

GMT 13:38 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية تستهدف جنوب لبنان وتودي بحياة مواطن

GMT 08:34 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تتأثر الأبراج الفلكية على طريقة تعبيرها عن المشاعر

GMT 22:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تبدأ تقليص استدعاءات جنود الاحتياط

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab