عمق التغييرات في اليمن

عمق التغييرات في اليمن..

عمق التغييرات في اليمن..

 العرب اليوم -

عمق التغييرات في اليمن

خيرالله خيرالله

اليمن دخل مرحلة المجهول. يحدث ذلك في غياب القدرة على اجتراح صيغة جديدة في بلد تغير كل شيء فيه. طالت التغييرات خصوصا التركيبة القبلية في الشمال، ونمط العيش في الجنوب.

ليس في الأفق ما يشير إلى إمكان حصول أيّ انفراج في اليمن. كلّما مرّ يوم يتبيّن كم من الصعب التوصل إلى حلّ سياسي في اليمن. أقصى ما يمكن تحقيقه هو هدنة تسمح بتوفير ما يكفي من الوقت للتفكير في ما يمكن أن يكون عليه مستقبل البلد. هذا عائد، إلى عدم وجود قوّة قادرة على الحسم على الأرض، أي على الحسم العسكري من جهة، والتغييرات التي طرأت في العقدين الماضيين على المجتمع اليمني ككلّ من جهة أخرى.

لدى التساؤل عمّا يمكن عمله في اليمن، لا مفرّ من أخذ هذه التغييرات العميقة التي طرأت على البلد في الاعتبار. اليمن الذي عرفناه انتهى. يمن ما قبل الوحدة انتهى، كذلك يمن ما بعد الوحدة. لذلك، كلّ كلام عن العودة إلى ما قبل الوحدة، وأن ذلك كفيل بحلّ مشاكل اليمن لا يستند إلى الواقع. الكلام شيء، وما على الأرض شيء آخر.

ما الشكل الذي يمكن أن يكون عليه اليمن في المرحلة المقبلة؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال. هذا عائد إلى سبب في غاية البساطة يتمثّل في أن قوى جديدة ظهرت في الشمال حيث الزيود، فيما تغيّرت طبيعة المجتمع في الوسط الشافعي بتأثير الإسلام السياسي، ممثلا بالإخوان المسلمين وما تفرّع عنهم من تنظيمات متطرّفة مثل “القاعدة”. هناك من لا يزال يراهن على الإخوان للانتصار على الحوثيين، أو أقلّه إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي.

إضافة إلى ذلك، إنّ الجنوب الذي كان دولة مستقلّة صار شيئا آخر مختلفا كلّيا عما كان عليه قبل العام 1990، تاريخ إعلان الوحدة. يكفي للتأكد من مدى عمق التغييرات التي حصلت في الجنوب ملاحظة أن ما كان يسمّى الجيش الجنوبي، بألويته المستقلة المدرّبة تدريبا جيّدا، انتهى إلى غير رجعة. هذا الجيش لم يكن يتمتع بخبرات عسكرية فحسب، بل كان جيشا منضبطا إلى حدّ كبير.

في مرحلة معيّنة، سمح هذا الجيش للحزب الاشتراكي بالسعي إلى العودة عن الوحدة في العام 1994. لا يزال اليمن يدفع ثمن تلك المغامرة التي كلّفت الكثير، بما في ذلك إلغاء الدور الإيجابي الذي لعبه الحزب الاشتراكي، حتى اندلاع حرب الانفصال، في إيجاد توازن داخلي سمح بتطوير ما كان يمكن اعتباره بداية تجربة ديمقراطية قائمة على التعددية الحزبية.

سمح موقف الحزب الاشتراكي، الذي ما لبث أن أصيب باليأس من إمكان تطوير التجربة، بالوصول إلى إقرار دستور عصري نسبيّا، وذلك على الرغم من كلّ المحاولات التي بذلها الإخوان المسلمون لإدخال مواد على الدستور لا تمتّ بصلة إلى التعددية الحزبية والديمقراطية من قريب أو بعيد. نجح الإخوان في تعديل بعض المواد، لكنّ الدستور المعمول به، دستور دولة الوحدة تضمّن نقاطا إيجابية عدّة.

بعد عام 1994 وسقوط المشروع الانفصالي، لم تعد لمحافظات الجنوب علاقة بما كانت عليه في الماضي، أي في سنوات ما قبل الوحدة أو أيام الاستعمار البريطاني حين كانت عدن مدينة ذات رونق خاص، بسبب انفتاحها على العالم وسيادة القانون فيها.

في الشمال، ظهر الحوثيون الذين يسمّون أنفسهم الآن “أنصار الله”. لا يمكن الاستخفاف بهذه الظاهرة التي حدّت من دور القبائل اليمنية. استطاع الحوثيون في خمس عشرة سنة تغيير المجتمع الزيدي والمجتمع القبلي في الوقت ذاته. من كان يتصوّر أن الحوثيين سيخرجون زعماء حاشد (آل الأحمر) من بيوتهم؟ من كان يتصوّر أنهم سيدمّرون معسكرات اللواء 310 في عمران تمهيدا لدخول صنعاء والسيطرة عليها في أيلول ـ سبتمبر 2014؟

هذا اللواء كان تابعا للإخوان الذين ترتّبت عليهم مواجهة الحوثيين ورجال القبائل في الوقت ذاته. كانت المفاجأة أن قسما من حاشد قاتل مع الحوثيين، كذلك فعل قسم كبير من بكيل التي تعتبر أكبر قبيلة في اليمن!

في السنوات العشرين الماضية، أي منذ هزيمة المشروع الانفصالي في اليمن، تغيّر البلد كلّيا. لا يمكن في الوقت الحاضر تجاهل ذلك. لم يعد هناك وجود لحلول معلّبة لليمن. لذلك فشل مؤتمر الحوار الوطني الذي استمرّ طويلا، بل أكثر مما يجب. فشل هذا المؤتمر، الذي استضافه فندق “موفنبيك” في صنعاء، ليس عائدا إلى أن ليس في الإمكان الرهان على الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي فقط. فشل المؤتمر أيضا لأنّ الكلام عن “دولة اتحادية ذات ستة أقاليم” يزيد التعقيدات تعقيدا، ويفترض وجود سلطة مركزية قادرة على ترجمة ما يسمّى “مخرجات الحوار الوطني” على أرض اليمن.

بين 1978 و2011، حكمت اليمن صيغة قامت على تحالف بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي استقال في شباط ـ فبراير 2012 وقوى معيّنة اختلفت معه أحيانا، لكنّها تحالفت معه في معظم الأحيان. في مقدّمة هذه القوى كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي توفّي أواخر العام 2007. انهارت تلك الصيغة يوم انتقل الصراع بين حلفاء الأمس إلى داخل أسوار صنعاء نفسها. استفاد الحوثيون إلى حدّ كبير من انقضاض الإخوان المسلمين على علي عبدالله صالح ومن محاولة الاغتيال التي استهدفته في منتصف العام 2011، والتي جعلت منه رجلا هاجسه تصفية الحسابات مع الذين حملوه على الاستقالة وحاولوا تصفيته.

تطورّت الأمور في اليمن إلى حدّ كبير في ظلّ توسع الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها الحوثيون المدعومون مباشرة من إيران. جاءت “عاصفة الحزم” التي انطلقت قبل نحو ثلاثة أشهر ونصف لمنع اليمن من التحول إلى مستعمرة إيرانية تستخدم منطلقا لتهديد الأمن الخليجي، خصوصا أمن المملكة العربية السعودية.

هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به. لكن الواقع الآخر الذي لا يمكن تجاوزه أن اليمن دخل مرحلة المجهول. يحدث ذلك في غياب القدرة على اجتراح صيغة جديدة في بلد تغيّر كلّ شيء فيه. طالت التغييرات الشمال والجنوب والوسط. طالت خصوصا التركيبة القبلية في الشمال، ونمط العيش في الجنوب.

لعلّ أخطر ما في الأمر، في موازاة التغييرات، غياب القوة القادرة على تغيير التوازن العسكري على الأرض، قوّة قادرة على تحرير ولو مدينة واحدة من الحوثيين ومن حليفهم الذي اسمه علي عبدالله صالح. ما لا بدّ من الإقرار به أنّه لولا الرئيس السابق، لم يكن “أنصار الله” قادرين على الالتفاف على تعز والوصول إلى عدن يوما!

arabstoday

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:37 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عمق التغييرات في اليمن عمق التغييرات في اليمن



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:38 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يتسلم جثة رهينة جديد من قطاع غزة
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يتسلم جثة رهينة جديد من قطاع غزة

GMT 01:53 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
 العرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 09:06 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يوقف حفله في دبي بسبب نيللي كريم وأحمد السقا

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق

GMT 16:15 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 10:58 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مرقص حنا باشا!

GMT 10:59 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مرة أخرى.. قوة دولية فى غزة !

GMT 11:40 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

.. وفاز ممداني

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 12:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

صدقوني إنها «الكاريزما»!

GMT 20:43 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تنفق ملايين الدولارات لتحسين صورتها في أميركا

GMT 11:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab