مهزومون ومنتصرون

مهزومون ومنتصرون

مهزومون ومنتصرون

 العرب اليوم -

مهزومون ومنتصرون

بقلم : حازم صاغية

يوم أسود آخر. يوم تعيس آخر، لا لبريطانيا بل للحضارة والتمدن. يمين أوروبا المتطرف يضغط لإجراء استفتاءات مشابهة. دونالد ترامب يقترب خطوة من البيت الأبيض. الاقتصاد العالمي قد يكون في مهب العواصف. التخويف من المهاجرين ينتفخ. اللقاح بين الفكر المحافظ والأزمة الاقتصادية ينتج دائماً الأسوأ، والأسوأ هو ما رفعه الاستفتاء عالياً.

هذا ليس لإثارة الذعر. إنه ما تعدنا به أكثرية البريطانيين الذين انتصر فيهم ما هو معتم على ما هو مضيء.

القومية الضيقة الأفق انتصرت، وإن تغير معناها: لم تعد تطمح إلى وطن كبير ذي مدى حيوي. القوميون البريطانيون صوتوا لبلد أصغر، أي لبريطانيا التي سيؤدي الخروج من أوروبا إلى حرمانها اسكتلندا وإرلندا الشمالية، وربما ويلز. لكن الشرية القومية استمرت تحريضاً وتخويفاً وخلقاً لجو قُتلت فيه جو كوكس التي ذهبت دماؤها هدراً. القوميات باتت تستعير لسان الأقليات والإثنيات المطالبة بالحقوق والانفصال وحق تقرير المصير.

وانتصرت البلدات على المدن، وخصوصاً على المدينة الكوزموبوليتية لندن المتشابكة مع العالم. حتى المدن الصناعية القديمة في الشمال، كمانشيستر وليفربول، التي قيل إنها متضررة من أوروبا والعولمة، صوتت، لأنها مدن كبرى، للبقاء.

مَن هم دون الثلاثين انهزموا لمصلحة من هم فوقها. ثورة المعلومات والاتصالات، وفي غد قريب الثورة الروبوتية، كلها انهزمت. العزلة بوصفها نتاج الخوف من اللاجئين ومن الاتفاقات التجارية العابرة للحدود ومن التقدم التقني، انتصرت على المغامرة بالانفتاح.

الغرائز انتصرت على العقل النفعي انتصار المؤامرة على التحليل العقلاني. لا، ليس الاتحاد الأوروبي «احتلالاً نازياً»، ولا مغادرته «استقلالاً»، كما قال الداعون إلى المغادرة بمن فيهم يساريوهم الذين اتهموا أوروبا بالتسبب بالنيوليبرالية وما تُحدثه من فقر. هذا أيضاً ليس صحيحاً: مارغريت ثاتشر، البريطانية جداً، ومن بعدها توني بلير هما المتسببان. وهم تجاهلوا تماماً أن قوانين أوروبا في ما خص العمل والحقوق الجندرية متقدمة جداً على قوانين بريطانيا أو أية قوانين قومية أخرى.

والراديكالية انتصرت على التدرج وعلى «الوسط» الذي يعاني محنته في كل البلدان الديموقراطية. نعم، أوروبا بيروقراطية وبحاجة إلى الدمقرطة، ونعم، هناك معاناة إنسانية يعانيها الأضعف والأقل تأهيلاً، ونعم، تضغط الهجرة الأوروبية الشرقية في بعض المناطق على فرص العمل وعلى الخدمات والتقديمات الصحية والتعليمية... لكن الحل هو ما كان يُفترض أن يأتي من داخل أوروبا وبسعي نضالي وديموقراطي لتوفير صمامات أمان اجتماعي للأفقر والأضعف. أما الخروج والمقاطعة والإسقاط والتحطيم فينسى حقيقة كونية، وبريطانية بالأخص، هي أن الثورة الصناعية الأم في القرن الثامن عشر رتبت أكلافاً إنسانية غير مسبوقة، لكنها أعادت اختراع العالم، ولا سيما بريطانيا، وكانت مصدراً لثراء غير مسبوق وللتنظيم الاجتماعي والنقابي الذي ضمن حقوقاً غير مسبوقة كذلك.

النسيان انتصر أيضاً على التذكر: هذه الأوروبا التي يريدون فرطها، وأغلب الظن أن ينجحوا في ذلك، هي التي ضمنت، منذ قيامها، سلامها وسلام العالم بعد حربيه العالميتين اللتين كلفتا 60 مليون قتيل. وهي التي، وهذا ما أنتج وينتج بعض أزماتها الراهنة، امتصت آثار التحول الكبير في أوروبا الشرقية والوسطى بعد سقوط المعسكر السوفياتي.

وبعض الذين انتصروا أصدقاء بشار الأسد، من فلاديمير بوتين إلى مارين لوبن. لكن المدهش أن هؤلاء جميعاً يفكرون على نحو «داعشي» مفاده بأن دخول المستقبل أصعب من الارتداد إلى الماضي. الماضي سهل دائماً.

arabstoday

GMT 00:38 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أميركا ــ إسرائيل وبعض علامات الأزمنة

GMT 01:08 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

«الأمن المطلق» بين إيران وإسرائيل و... العالم

GMT 02:19 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حين تصدق إيران نكذّبها!

GMT 06:30 2024 الأحد ,14 إبريل / نيسان

إنّها نوايا إبادة ثقافيّة... لا أقلّ!

GMT 01:08 2024 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

مسائل في ثقافيّات الحرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهزومون ومنتصرون مهزومون ومنتصرون



GMT 23:31 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 23:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab