تونس بديهيّات لم تعد بديهيّات

تونس: بديهيّات لم تعد بديهيّات

تونس: بديهيّات لم تعد بديهيّات

 العرب اليوم -

تونس بديهيّات لم تعد بديهيّات

حازم صاغيّة

ثمّة ما يشبه القناعة العريضة اليوم بأنّ تونس هي قصّة النجاح الوحيدة لثورات «الربيع العربيّ»، الأمر الذي عزّزه النجاح في التوصّل إلى دستور متقدّم، بل شديد التقدّم بقياس التجارب الدستوريّة العربيّة. فتونس تبرهن على أنّها استطاعت ضبط خلافاتها في قنوات السياسة والمؤسّسات، وهذا بذاته مكسب هائل، على ما يدلّ التغيير الحكوميّ الأخير خصوصاً. إلاّ أنّه مكسب ما كان له أن يرى النور لولا شجاعة وإصرار شبّان تونس وشابّاتها ونقاباتها وأحزابها الليبراليّة واليساريّة، ولكنْ أيضاً لولا مرونة حركة النهضة واستعدادها البراغماتيّ وإيثارها مصلحة الاستقرار الوطنيّ على التقيّد بمقدّماتها الإيديولوجيّة والوفاء لها. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى جدوى الضغط الغربيّ، الأميركيّ والأوروبيّ، اقتصاديّاً وسياسيّاً، لدفع تونس في المسار هذا. ويتبدّى اليوم، وحتّى إشعار آخر، أنّ تونس قد تتمكّن من إنقاذ «الربيع العربيّ» الذي يلوح أنّ الجيش والديكتاتوريّة العسكريّة يهدّدان بابتلاعه في مصر، بينما يُغرقه العنف الوحشيّ للسلطة السوريّة في الدم، جاعلاً بُعدَي الحرب الأهليّة والتنازع الإقليميّ يعتصران الثورة. وإذا كان من غير المفهوم تماماً ما الذي يحصل في اليمن، حيث يمضي قدماً النزاع الشماليّ - الجنوبيّ، والحوثيّ - السنّيّ، كما يتعاظم الصراع الإقليميّ حول اليمن، فإنّ ليبيا المناطق والعشائر برهنت على صمودها ومناعتها في وجه التوصّل إلى أيّ نسق سياسيّ ودولتيّ حديث. لكنْ لماذا تمكّنت تونس أن تستعرض وحدها حركة شعبيّة عريضة على نطاق وطنيّ، ومعها حركة إسلاميّة تبدي من المرونة ما لا تبديه أيّة حركة إسلاميّة أخرى في العالم العربيّ؟ بل لماذا تتأثّر تونس بالضغوط الاقتصاديّة على النحو الذي لا نراه في بلد كمصر مثلاً، وهي بالتأكيد قابليّة تُحسب لتونس بقدر ما تُحسب على مصر؟ لقد مرّت علينا في العقود الأخيرة، لا سيّما مع انتهاء الحرب الباردة وانحسار «السرديّات الكبرى»، جملة أفكار تلفّحت بالنسبيّة أو برفض المركزيّة الأوروبيّة، حاولت إقناعنا بعكس الكثير من البديهيّات المدرسيّة. وها هي تونس تعيدنا إلى البديهيّات، بقدر ما تعيدنا إليها، من موقع آخر، تجارب ليبيا وسوريّة واليمن، أو من موقع ثالث، تجربة مصر. فما تقوله لنا تونس إنّ درجة الاتّصال بالغرب، ولأنّها أشدّ متانة ووثوقاً من سواها، مصدر أساسيّ، بل المصدر الأساسيّ، لتفسير هذا التفاوت بينها وبين غيرها. وتحت هذا العنوان، يندرج دور المرأة وحرّيّاتها مثلما يندرج اتّساع التعليم وحجم الطبقات الوسطى ومعرفة اللغات الأجنبيّة. أمّا وطنيّة «الأمّة التونسيّة» فأشدّ تعبيراً ووضوحاً من أيّة وطنيّة سواها تكمّل ذاتها الناقصة بالعروبة والإسلام. ولا تكتمل لوحة كهذه من دون الدور التأسيسيّ للحبيب بورقيبة «الفرانكوفونيّ» الذي ترك أرضاً مجتمعيّة أصلب كثيراً ممّا ترك معاصروه «التحديثيّون» كجمال عبد الناصر أو هواري بومدين أو البعثان السوريّ والعراقيّ. وبالمعنى الذي يقال فيه إنّ بورقيبة متقدّم على هؤلاء، يقال إنّ راشد الغنّوشي أكثر براغماتيّة من يوسف القرضاوي، وإنّ زين العابدين بن علي، المستبدّ طبعاً، أقلّ قمعيّة من باقي زملائه المستبدّين. فإذا أضفنا انسجاماً دينيّاً ومذهبيّاً تعرفه تونس، وبُعداً عن مسارح الصراعات الإقليميّة، اكتمل المعنى وتمّ.

arabstoday

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

ملكة القنوات

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان و«ضربة معلم»

GMT 16:35 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

نقش «سلوان» وعِراك التاريخ وشِراكه

GMT 16:33 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان... تحالف جاء في وقته

GMT 16:31 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل؟

GMT 16:30 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

افتح يا سمسم

GMT 16:29 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

مأزق الليبرالية البريطانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس بديهيّات لم تعد بديهيّات تونس بديهيّات لم تعد بديهيّات



نقشات الأزهار تزين إطلالات الأميرة رجوة بلمسة رومانسية تعكس أناقتها الملكية

عمّان - العرب اليوم

GMT 04:18 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

ترامب يفرض رسومًا جديدة للحصول على إتش- 1 بي

GMT 07:35 2025 الإثنين ,22 أيلول / سبتمبر

ارتفاع وفيات حمى الضنك في بنغلاديش
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab