انتخابات الهويّة المسمّاة هذه المرّة «بريكست»

انتخابات الهويّة المسمّاة هذه المرّة «بريكست»

انتخابات الهويّة المسمّاة هذه المرّة «بريكست»

 العرب اليوم -

انتخابات الهويّة المسمّاة هذه المرّة «بريكست»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

من ينظر إلى خريطة الأصوات والمقاعد الانتخابيّة في بريطانيا يلاحظ دائرتين كبريين ملوّنتين: واحدة زرقاء ترمز إلى حزب المحافظين وتغطّي وسط المملكة المتّحدة وجنوبها، وثانية صفراء ترمز إلى الحزب القومي الأسكوتلندي وتغطّي شمال المملكة. بين الدائرتين وفي زواياهما، تتناثر الألوان الأخرى التي ترمز إلى حزب العمّال المعارض وباقي الأحزاب. لقد التفّ الأسكوتلنديّون، بحساسيّة معظمهم حيال الوحدة مع إنجلترا وبإجماعهم على رفض «بريكست»، حول حزبهم القومي الذي منحوه 48 مقعداً، بزيادة 13 عن البرلمان الحاليّ. أمّا حزب المحافظين فهو اليوم حزب «بريكست».
إذن، الخلاصة الأولى والأبرز أنّها انتخابات دارت حول الهويّة.
الخلاصة الثانية والمكمّلة هي أنّ عنوان الصراع الراهن على الهويّة كان «بريكست». من هو مع الانسحاب من الاتّحاد الأوروبي والتفعيل السريع لنتائج استفتاء 2016. ومن هو ضدّ ذاك الاستفتاء ويحاول الدفع باتّجاه استفتاء ثانٍ يمحو نتائج الأوّل. ولأنّ حزب المحافظين، بقيادة بوريس جونسون، نجح في ربط نفسه بهذا الصراع، فقد تمكّن من إحراز انتصار صارخ لم يحقّقه الحزب منذ سنوات مارغريت ثاتشر (أحرز 364 مقعداً، بزيادة 47 عن البرلمان الحاليّ). في هذا الانتصار، تمّ الالتفاف على المعوقات الشخصيّة لجونسون، كالخفّة وصيت الكذب، ناهيك عن الشعبويّة، وتمّ أيضاً إطفاء وهج «التطرّف البريكسيتيّ»، أتمثّل بنايجل فاراج (لم ينل حزبه المسمّى «حزب بريكست» أي مقعد) أم بجيوب في حزب المحافظين. التفويض لجونسون بدا كاملاً في الداخل وفي العلاقة بأوروبا. هناك من لم يتردّد في إسباغ صفات «تاريخيّة» عليه ومقارنته بتشرشل!
ما يصحّ في المحافظين يصحّ، على نحو معاكس، في منافسه حزب العمّال. هذا الحزب ظلّ مائعاً وغامضاً فيما خصّ «بريكست». هكذا كان حين أجري الاستفتاء الأوّل وهكذا هو اليوم. صحيح أنّه وافق على مبدأ الاستفتاء الثاني لكنّ موقفه جاء متأخّراً جدّاً وفاتر الحماسة. قائده جيريمي كوربن حاول أن يستبدل قضيّة «بريكست» بقضايا اجتماعيّة أكثر عقلانيّة، خصوصاً الضمان الصحّيّ، فلم يلق تجاوب الناخبين. زاد في عدم التجاوب انتماء كوربن إلى يساريّة قديمة وعمّاليّة صيغت بموجبها تلك القضايا فيما تجاوزها المجتمع البريطاني نفسه. هكذا بدا كوربن، وبذريعة تصفية البليريّة، كأنّه ينقلب على حزبه البرلماني ويمعن في نزعة عالمثالثيّة تعوزها الحساسيّة حيال المستبدّين «المناهضين للولايات المتّحدة» كما حيال اللاساميّة.
والحال أنّ الانتخابات البريطانيّة وضعتنا أمام المفارقة التالية: حسمُ جونسون فيما خصّ «بريكست» جعل شعبويّته أمراً ثانويّاً، وقد يخدم الغرض، فيما تردّدُ كوربن حيال الموضوع نفسه لم يُبق منه إلاّ شعبويّته التي يصعب أن تخدم شيئاً. لقد أنزل بحزبه هزيمة لم يعرفها الحزب منذ أيّام كليمنت أتلي (203 مقاعد بخسارة 59). حتّى هزيمة نيل كينوك الشهيرة في 1992. والتي استدعت «التجديد الإنقاذيّ» البليريّ، باتت تُعدّ رحمة. يكفي التذكير بأنّ بعض المواقع التقليديّة للعمال في شمال إنجلترا الصناعي صوّتت، للمرّة الأولى منذ عقود، لصالح المحافظين وأحزاب أخرى. كوربن أقرّ بفشله في قلب الأجندة، وفي أغلب الظنّ لن نرى وجهه في الحياة العامّة بعد اليوم.
حزب الليبراليين الديمقراطيين بدا، من حيث المبدأ، الطرف الذي يقدّم البديل المعقول والتقدّميّ. الليبراليّون الديمقراطيّون جمعوا بين أوروبيّتهم وتحرّريّتهم الاجتماعيّة ورغبتهم في الموازنة بين عمل الرأسماليّة وتدخّل الدولة، فضلاً عن حماستهم لتحرير السياسات البرلمانيّة من الأثر الشعبويّ. النتيجة: لم يحرزوا أي تقدّم انتخابيّ، بل فقدوا واحداً من مقاعدهم القليلة (11 مقعداً). قائدتهم جو سونسون نفسها فشلت في أن تدخل البرلمان. لقد دفعوا ثمن انكفاء العقلانيّة أمام الهويّة و«بريكست». شيء مشابه، ولو على نطاق أصغر، يمكن قوله عن حزب الخضر الذي، وعلى عكس ألمانيا مثلاً، لم يظهر له أي أثر. كلّ التحليلات التي قرأناها سابقاً عن صعود المسألة البيئويّة عطّلها، في المملكة المتّحدة، انفجار مسألة الهويّة.
الصحافيّة البريطانيّة لاورا كوانسبرغ خرجت بتعبير موفّق: إنّه «انتصار أكبر من حزب المحافظين» المنتصر. ذاك أنّ بريطانيا ستغادر أوروبا في أواخر الشهر المقبل. التحدّي يكاد يكون فوريّاً، وهو سيكون صعباً وجدّيّاً لا تكفي خدعة الهويّة أو «بريكست» لمواجهته: ماذا عن وحدة بريطانيا نفسها، أي مستقبل العلاقة بأسكوتلندا وآيرلندا الشماليّة، وربّما ويلز أيضاً؟ وماذا عن الاقتصاد الذي يقول «البريكستيّون» إنّ اتفاقات خاصّة مع الولايات المتّحدة في ظلّ دونالد ترمب كفيلة بإنعاشه؟
الإجابات قد لا تظهر بنفس سرعة الأسئلة، لكنّ المؤكّد أنّها ستكون جدّيّة جدّاً، ومؤثّرة جدّاً، كائنة ما كانت طبيعتها. المؤكّد أيضاً، في هذه الغضون، أنّ لعنة الهوّيّات ستعيش معنا طويلاً، وطويلاً سوف يعيش معنا خداع الهويّات.

arabstoday

GMT 02:32 2024 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

صدّام حسين: رُبّ قومٍ ذهبوا إلى قوم!

GMT 00:43 2024 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

الخسارة في السفارة وفي النظرية

GMT 01:41 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

«داعش» ليس أداة استخباراتية

GMT 01:44 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

الدولة اجتماعية ولو بمقدار

GMT 01:23 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

الاغترابُ: المفهومُ الفلسفي والواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتخابات الهويّة المسمّاة هذه المرّة «بريكست» انتخابات الهويّة المسمّاة هذه المرّة «بريكست»



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 العرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 14:16 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية
 العرب اليوم - "فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 00:00 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

سقوط صواريخ على جبل ميرون في الجليل الأعلى

GMT 20:20 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

مقتل وإصابة 3 أشخاص في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 15:21 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

يسرا تكشف موقفها من دراما رمضان المقبل

GMT 00:24 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الجيش الأميركي يشتبك مع مسيّرتين للحوثي في اليمن

GMT 20:02 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

نيران ضخمة تلتهم مبنى بورصة كوبنهاغن التاريخي

GMT 23:57 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

الإمارات تشهد أكبر كميات أمطار خلال 75 عاماً

GMT 01:05 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

سقوط 6 صواريخ على شمال إسرائيل دون إصابات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab