فلسفتان للقوّة والضعف تتصارعان في أوكرانيا

فلسفتان للقوّة والضعف تتصارعان في أوكرانيا

فلسفتان للقوّة والضعف تتصارعان في أوكرانيا

 العرب اليوم -

فلسفتان للقوّة والضعف تتصارعان في أوكرانيا

بقلم - حازم صاغية

في 2001، بعد ضربة 11 أيلول/ سبتمبر، بلغ التضامن الأطلسيّ أقصاه. لكنّ العناق الشديد كان للوداع والتفرّق. هذا ما بدا بعد عامين فقط في حرب العراق. الخلاف ذهب بعيداً جدّاً بين الولايات المتّحدة، التي أعلنت تلك الحرب وخاضتها، وكلّ من فرنسا وألمانيا اللتين عارضتاها. دونالد رمسفيلد، وزير الدفاع الأميركيّ وصقر الحرب العراقيّة، أطلق يومذاك عبارة شهيرة تميّز بين «أوروبا القديمة» و«أوروبا الجديدة». الأولى، أي فرنسا وألمانيا، شائخة وهرمة في رأيه، والثانية، أي دول أوروبا الوسطى ومعها بريطانيا، صاعدة وواعدة.
في 2016 تعرّض العالم الأطلسيّ لانشقاقين آخرين: في منتصف العام كان استفتاء بريكزيت الذي وضع بريطانيا خارج الاتّحاد الأوروبيّ، وفي نهاياته انتخب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتّحدة. الأخير لم يتوان عن إضعاف علاقة بلده بأوروبا، كما طرح بقاء الناتو على الطاولة ملوّحاً بورقة الانسحاب منه.
في السنوات الأوباميّة الثماني ما بين الأزمتين، عادت الحرارة إلى العلاقة الأميركيّة – الأوروبيّة، إلاّ أنّ الانكفاء عن معظم العالم والهرب من مشكلاته جعلاها حرارة مجّانيّة وضئيلة المردود. منطقة شرق آسيا استحوذت على معظم الاهتمام الأميركيّ، فيما طغى الاقتصاديّ طغياناً مبرماً على السياسيّ. الاقتصاديّ، لا السياسيّ، هو المصدر الأوّل للإستراتيجيّ.
على مدى هذين العقدين، كان موقع الصين يتكرّس كقوّة اقتصاديّة تحقّق قفزات غير مسبوقة في النموّ، وموقع روسيا يتكرّس أيضاً إنّما كقوّة عسكريّة يعاد بناؤها. لكنْ كان واضحاً أنّ النجاح الروسيّ يفتقر إلى أساس اقتصاديّ، فيما النجاح الصينيّ يكاد لا يملك إلاّ الأساس الاقتصاديّ. الأوّل قوّة عضليّة، في عدادها الترسانة النوويّة الأكبر في العالم، يقابله اقتصاد ريعيّ يعيش على ما يبيعه من موادّ أوّليّة من غير إسهام ملحوظ في الاقتصاد المعلوماتيّ وما بعد الصناعيّ. أمّا الثاني فقوّة اقتصاديّة جبّارة، إلاّ أنّها غير مرفقة بمثالات وصور ونماذج نرى من خلالها العالم وأنفسنا، وعلى ضوئها تُصنع مُخيّلاتنا ورغباتنا. وعلى رغم التقدّم التقنيّ الهائل الذي أحرزته الصين، امتداداً لثورتها الاقتصاديّة، فإنّها لا تزال تقف بعيداً جدّاً من الولايات المتّحدة. أمّا في الإبداع التقنيّ تحديداً، فلا تزال بلدان كسويسرا والسويد والولايات المتّحدة وبريطانيا وكوريا الجنوبيّة تسبق الصين.

 

لكنّ العالم الأطلسيّ، كما رأينا، عالم منقسم، وقابل دائماً للانقسام، وقد بدا للحظة أنّ الوحدة نفسها ممنوعة عليه، وأنّ العلاقة في ما بين أطرافه صارت تشبه العلاقة داخل كلّ واحدة من دوله: أحزاب كثيرة ومعارضات عدّة. هذا ما صحّ حتّى الحرب الأوكرانيّة الأخيرة التي يصعب التكهّن في شأن نتائجها على هذا الصعيد، وإن كان محتملاً جدّاً أن يستعيد الأطلسيّون الوحدة التي لازمتهم في الحرب الباردة. الاحتمال المذكور يلوح، لا سيّما مع جولة جو بايدن الأوروبيّة، أنّه يتحقّق.
العالمان الروسيّ والصينيّ، في المقابل، ممنوع في داخل كلّ منهما الانقسام. لا بل إنّ نهضتيهما، العسكريّة في حالة روسيا والاقتصاديّة في حالة الصين، ترافقتا مع درجة بعيدة جدّاً من رفض الانشقاق وتوكيد الوحدة. ذاك أنّ المشروع البوتينيّ نفسه وُلد من انهيار الامبراطوريّة السوفياتيّة، ومن الظروف السيّئة التي أحاطت بما بعد الانهيار، جاعلةً الحرّيّة تبدو، في نظر بعض الروس، صنواً للفوضى والضعف والتفكّك.
بدوره، فالمشروع الذي بدأه دينغ هشياو بنغ ويكمله اليوم شي جينبينغ، إنّما رسمت حدوده وسقوفه مذبحة ساحة تيان أن مين في 1989، إبّان تداعي المنظومة السوفياتيّة. لقد كانت الرسالة التي بثّتها القيادة الصينيّة يومذاك تقول: إنّ إتاحة المجال لحياة سياسيّة ديمقراطيّة تعرّض الصين لما يتعرّض له الاتّحاد السوفياتيّ راهناً. من يظنّ أنّه يتّجه إلى نعيم نيويورك ولندن لا يكون يتّجه إلاّ إلى جحيم موسكو.
بطبيعة الحال فإنّ وحدة القبضة الصينيّة تبقى أقلّ تهديداً لسواها من مثيلتها الروسيّة، والسبب بسيط: كون الاقتصاد مصدر قوّة الصين. والاقتصادُ يحضّ تعريفاً على أخذ مصالح الآخرين واعتباراتهم، خصوصاً منهم «الشركاء الغربيّين»، في الحساب. أمّا من يكون الجيش مصدر قوّته، فأغلب الظنّ أنّ ردعه يبقى صعباً، وأنّه قد يذهب، غير هيّاب، إلى نهايات العنف.
لكنّنا نبقى، بعد إزاحة التفاصيل جانباً، أمام نموذجين شديدي الاختلاف للقوّة والضعف: أحدهما، أي الغربيّ، يمرّ بمراحل وبطفرات، وينتقل من ضعف إلى قوّة ومن قوّة إلى ضعف. علاقته بالزمن أكثر دقّة وسيولة وتحوّلاً، وهو عرضة للتشكيك والنقد والمراجعة والتكهّن. مع الثاني، هناك حدث واحد لا يتغيّر: إنّه قويّ، آمره القوّة التي لا تحتمل التحوّلات، لا في العلاقة بسواه، ولا، خصوصاً، في العلاقة بنفسه.
أوكرانيا، اليوم، ساحة الصراع بين الفلسفتين.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسفتان للقوّة والضعف تتصارعان في أوكرانيا فلسفتان للقوّة والضعف تتصارعان في أوكرانيا



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - السعودية اليوم

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت
 العرب اليوم - نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 15:46 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - أنباء انفصال هنادي مهنا وأحمد خالد صالح تثير الجدل من جديد

GMT 21:22 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل واسع في المغرب بسبب التكريمات المتكررة لليلى علوي

GMT 03:55 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع في واشنطن ضمن زيارة رسمية يجتمع خلالها مع ترامب

GMT 22:48 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 11:15 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيفا يطلق جائزة للسلام وسط توقعات بفوز ترامب

GMT 11:55 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"أوبن أيه آي" تسارع لطمأنة المستثمرين بشأن وضعها المالي

GMT 14:33 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 وصفات طبيعية لإزالة السموم ودعم وظائف الكلى

GMT 19:39 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 08:23 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج​ اليوم السبت 08 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 12:00 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

روبوت يرسم خرائط ثلاثية الأبعاد في ثوانٍ لأماكن الكوارث
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab